قبل عام من الان، سرعت الولايات المتحدة الامريكية خطواتها العسكرية وعلاقاتها الدبلوماسية تجاه اعلان الحرب ضد تنظيم داعش المتطرف، بعد ان توسع خلال أشهر قليلة في شرق سوريا، وخلال أيام في غرب وشمال العراق، سيما بعد ان أعلن (البغدادي) من على منبر الموصل، إقامة (الخلافة الإسلامية)، وإلغاء الحدود بين البلدين، والاستعداد للهجرة الى الغرب لتنفيذ هجمات إرهابية تطال المدنيين فيها.
في ذلك الوقت كانت الأوضاع السياسية والأمنية في العراق مرتبكة للغاية... فالتناقض بين مصالح الفرقاء السياسيين كان واضحا للغاية، حول تجديد (الولاية الثالثة) لرئيس الوزراء السابق (نوري المالكي)، والتوافق على اختيار شخصية تمثل البديل عن المالكي... اما على المستوى الأمني، فقد أصبح المثال على انهيار معنويات الجيش العراق امام تقدم مسلحي داعش، حديث الساعة... فيما شكلت خسارة الموصل وأجزاء واسعة من الانبار وكركوك وصلاح الدين وديالى، صدمة لدى الكثيرين... وعلى وجه الخصوص، الولايات المتحدة الامريكية، التي صرفت اكثر من 20 مليار دولار على تجهيز وتدريب القوات العراقية.
أوباما فضل الضغط على (المالكي) للتنحي عن السلطة، والبديل كان (حيدر العبادي)، وتم اختياره من نفس الحزب الذي ينتمي اليه سلفه، قبل اختيار البديل لم تتدخل أمريكا لتقديم المساعدة الى العراق، ولم تباشر بعمليات (التحالف الدولي) الا بعد مرور أربعة أشهر من سيطرة التنظيم على (الموصل)، وقد اعتبر الكثير من المراقبين والمتابعين لحملة (التحالف الدولي) الجوية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية، انها لا تشكل سوى جزء يسير من الحاجة العسكرية الفعلية لاحتواء خطر التنظيم ومن ثم القضاء عليه... ولعل اهم أسباب الخلاف بين الحلفاء داخل التحالف تضمنت الطريقة الأفضل التي من المفترض ان يتم القيام بها الى جانب الضربات الجوية الامريكية والاوربية.
العراق كان منذ البداية جزء من (التحالف الدولي) ومن المشجعين له، خصوصا وان الغطاء الجوي والتنسيق الاستخباري الذي يمكن ان توفره طائرات التحالف للقوات العراقية سيكون مفيدا للغاية في تسريع العمليات العسكرية لاستعادة الأراضي التي سيطر عليها... ومع هذا غالبا ما كان العراق يشكوا من قلة التحرك وضعف التسليح والتدريب والدعم اللوجستي والاستخباري من جانب الحلفاء الغربيين، على الرغم من تأكيد الولايات المتحدة الامريكية ان هناك شراكة قوية تجمعها مع الحكومة العراقية ضد الإرهاب العالمي.
على الطرف الاخر، حيث سوريا ونظام الأسد الذي لا تعترف به الولايات المتحدة الامريكية كشريك (شرعي)، كانت روسيا تستعد لتقديم الدعم الجوي واللوجستي لشريكها (الشرعي)، وضرب تنظيم داعش، إضافة الى جماعات مسلحة مختلفة، بما فيها الجماعات التي تدعمها أمريكا وحلفائها، وتعتبرهم من (المعارضة)، ومع ان الجميع يتفق على محاربة التنظيمات المتطرفة داخل سوريا، وبالأخص (داعش)، يبقى الاختلاف سيد الموقف حول (الأسد) ونظامه وهويه سوريا بعده، لذلك اعتبر الاوربيون وتركيا ودول الخليج ان تدخل روسيا في سوريا جاء لدعم نظام الأسد وليس لمحاربة الإرهاب، لذلك فإنها ارتكبت خطأ جسيما بسبب ذلك.
بالمقابل فان سوريا لم يكن لديها سوى الخيار الروسي، إضافة الى إيران، لتوفير الحماية والاسناد والدعم، اذ ان الولايات المتحدة وباقي دول الغرب، لم تكن لديها الرغبة في إقامة شراكة معلنة مع الأسد، وقد تشكل (تحالف رباعي) ضم الثلاثة، بالإضافة الى العراق، كجزء من التحالف في مكافحة الإرهاب.
يمكن اعتبار (التحالف الدولي) و(التحالف الرباعي) جزء من صفقات غير متجانسة، تعبر عن مصالح الدول القريبة من دائرة الازمة السورية، ومع ان التحالفان يتفقان في طرد التنظيم من الأراضي التي يسيطر عليها، وإعادة الاستقرار والسلام الى سوريا، الا انهما يختلفان كثيرا في الالية المناسبة لتطبيق هذان الامران.
الغريب في الامر... ان العراق جزء من تحالفان متناقضان، وعلى الرغم من محاولاته مسك العصا من الوسط، للاستفادة من إمكانات التحالفين معا، فان مؤشرات على خلافات وضغوط تمارس ضد البلاد، يمكن ان تعطي انطباعا سلبيا عن مستقبل هذه العلاقة، وبالتالي حرمان البلاد من فرصة الاستفادة من أي دور عسكري او سياسي يمكن ان يقدم الدعم المطلوب للعراق.
اضف تعليق