من المهم أيضًا تعزيز القيم الحضارية وتعزيز التسامح والمساواة بين الناس كوسيلة للحد من الانقسامات الاجتماعية وبناء مجتمع موحد ومتكافل. وفي هذا الإطار، يمكن أن تؤدي الحوارات الثقافية وتعزيز الوعي الاجتماعي والتعايش السلمي بين الثقافات إلى تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز الاستقرار...
منذ عام ١٢٥٨، وربما قبل ذلك، والعراق بحدوده التقريبية الحالية، يواجه العديد من المشاكل المستعصية النابعة من حالة التخلف الحضاري الموروثة، وما لم يتم القضاء على التخلف سوف تبقى هذه المشاكل ومضاعفاتها السلبية.
اقصد بالتخلف الحضاري، كما بينت في العديد من المقالات السابقة، الخلل الحاد في المركب الحضاري للدولة والمجتمع، الامر الذي له ابلغ الاثر وأسوأه في خلق المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ومضاعفاتها السلبية الكثيرة، كالفساد والفقر والبطالة وتدني الانتاجية وسوء الخدمات والنزاعات المجتمعية كالطائفية والعشائرية والنظرة الدونية للمرأة .. الخ.
يشير التخلف الحضاري إلى حالة من الضعف أو عدم الفاعلية الانتاجية والابداعية في المركب الحضاري لدولة أو مجتمع معين، ويتضمن هذا الخلل وجود مشاكل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبمعنى آخر، يمكن تعريف التخلف الحضاري على أنه عدم مواكبة المجتمع للتطور والتقدم الحضاري، سواء في مجال التعليم، الصحة، البنية التحتية، الحكم، أو غيرها من المجالات الحيوية.
في السياق السياسي، قد يؤدي التخلف الحضاري إلى ضعف الهياكل الحكومية وتدهور النظام السياسي، مما يفتح الباب أمام اندلاع الصراعات الداخلية وأزمات الحكم. وفي السياق الاقتصادي، يمكن أن يسفر التخلف الحضاري عن انخفاض مستوى الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة وتدهور البنية التحتية، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ورفاهية المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر التخلف الحضاري بشكل سلبي على المساواة الاجتماعية وفرص الحصول على خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية ومكانة المرأة.
من المضاعفات السلبية الأخرى للتخلف الحضاري تعزيز دائرة الفقر والعنف وتفاقم الانقسامات الاجتماعية. حيث أن عدم توفر فرص التعليم والعمل المناسبة قد يؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة، مما ينشئ دوائر من الانتقام والصراعات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يزيد التخلف الحضاري من فجوة الثقافات والتفاوت بين الأقليات والأغنياء والفقراء، مما يخلق توترات اجتماعية تؤثر على الاستقرار الاجتماعي.
وللتغلب على هذه المضاعفات السلبية، يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة التخلف الحضاري، وتوجيه الجهود نحو تحسين التعليم وتعزيز البنية التحتية ودعم الاندماج الاجتماعي والاقتصادي. وفي هذا السياق، يمكن أن تساهم السياسات الحكومية الرشيدة والاستثمار المستدام في تحقيق تقدم حضاري يعمم الفوائد على المجتمع برمته، ويزيد من فرص الاستقرار والازدهار.
على سبيل المثال، يجب أن تتضمن الجهود للتغلب على التخلف الحضاري تحسين نوعية التعليم وتوسيع إمكانية الوصول إليه، بما في ذلك تحقيق التعليم الإلزامي وتحفيز الاستثمار في مرافق التعليم وتوفير فرص تعليمية متساوية للجميع. وبالنسبة للبنية التحتية، يجب أن تشمل الجهود تحسين البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والكهرباء والمياه، وتعزيز النقل والاتصالات لتعزيز التنمية الاقتصادية. كما يجب أيضًا تعزيز فرص العمل والشفافية في النظام الاقتصادي من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع.
من المهم أيضًا تعزيز القيم الحضارية وتعزيز التسامح والمساواة بين الناس كوسيلة للحد من الانقسامات الاجتماعية وبناء مجتمع موحد ومتكافل. وفي هذا الإطار، يمكن أن تؤدي الحوارات الثقافية وتعزيز الوعي الاجتماعي والتعايش السلمي بين الثقافات إلى تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز الاستقرار.
بشكل عام، تحتاج مكافحة التخلف الحضاري إلى جهود متكاملة وشاملة تستهدف مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن خلال تبني استراتيجيات شاملة ومستدامة، يمكن أن تحقق الدولة تقدمًا في مواجهة التحديات النابعة من التخلف الحضاري وتعزز الاستقرار والازدهار لمواطنيها.
يجب الاقرار بان الانظمة المتعاقبة منذ بداية القرن السابق لم تولِ مكافحة التخلف اولوية خاصة، فاستمرت حالة التخلف الحضاري بالتجذر والتعمق في المجتمع والبنى السياسية والاقتصادية والادارية وغير ذلك. هذا المقال وغيره مما يشابهه هو دعوة الى تدارك مافات والانطلاق بالمجتمع العراقي نحو نهضة حضارية شاملة.
اضف تعليق