ويفاقم التغيّر المناخي من مشكلات شحّ الغذاء وارتفاع تكاليفه، وعدم حصول الفقراء على المقدار الكافي منه، فما بالك بالجيد والصحي، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور المستوى العام للصحة، خصوصاً في البلدان الفقيرة، لاسيّما عدم الحصول على مياه مأمونة، وغياب، أو ضعف خدمات الصرف الصحي، وتلوّث الهواء والماء وانتقال الأمراض، وتفشّي أنواع جديدة منها...
ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة السنوي بخصوص المناخ، (كوب - 28)، في مدينة إكسبو دبي، يوم غد، ويستمر لغاية 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، حيث يلتقي فيه ممثلون عن 198 دولة لمناقشة المخاطر الكونية التي تسبّبها تغييرات المناخ، لاسيّما ما له علاقة بحقوق الإنسان.
لقد توصّل مؤتمر باريس (كوب 21 - 2015) إلى اتفاق بشأن السعي إلى حصر الاحتباس الحراري خلال القرن الحادي والعشرين، بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، درءاً لاحتمالات أكثر سوءاً، بسبب تغييرات المناخ، التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة. ويقتضي التنويه، بما يذهب إليه العلماء، من أن العالم اليوم على أعتاب هذه النسبة، حيث بلغت نحو 1.4 درجة مئوية، وهذا يعني أن العالم على الحافة، إذْ من المتوقّع ارتفاع درجة الحرارة بما لا يقل عن 2.8 درجة مئوية بحلول عام 2100، وفقاً لتقارير خبراء بالمناخ والنظم الإيكولوجية، فقد كانت السنوات الثمانية المنصرمة الأكثر سخونة على الإطلاق في التاريخ البشري. وأفضت موجات الحر الشديد إلى القضاء على المحاصيل والمواشي، مع تصاعد موجات الجفاف، وحرائق الغابات، والفيضانات، والزلازل، والكوارث الطبيعية، وذوبان الجليد، وارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير حياة البشر، وسبل عيشهم.
والعلاقة بين المناخ والإنسان هي علاقة عضوية، فمن حق كل إنسان أن يعيش في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة. وهذه حسب التصنيف الأكاديمي لمراحل تطوّر جدلية حقوق الإنسان، تمثّل الجيل الثالث من الحقوق الإنسانية. فإذا اعتبرنا، لأغراض البحث العلمي، أن الجيل الأول يمثّل الحقوق المدنية والسياسية، فإن الجيل الثاني يشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أمّا الجيل الثالث فإنه يختصّ بالحق في التنمية والسلام، والحصول على منجزات الثورة العلمية - التقنية، إضافة إلى الحق في بيئة نظيفة.
ويفاقم التغيّر المناخي من مشكلات شحّ الغذاء وارتفاع تكاليفه، وعدم حصول الفقراء على المقدار الكافي منه، فما بالك بالجيد والصحي، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور المستوى العام للصحة، خصوصاً في البلدان الفقيرة، لاسيّما عدم الحصول على مياه مأمونة، وغياب، أو ضعف خدمات الصرف الصحي، وتلوّث الهواء والماء وانتقال الأمراض، وتفشّي أنواع جديدة منها، وهو ما شهده العالم برعب وفزع شديدين، خلال عامي 2020 و2021، بانتشار فيروس كورونا، إضافة إلى اتساع نطاق النزوح والهجرة، فضلاً عن حدّة النزاعات المسلحة، وكل ذلك يعرض حقوق الإنسان للانتهاك، بما فيه الحق في الحياة.
ويناقش مؤتمر دبي (كوب 28) موضوع التوصّل إلى اتفاق دولي، للتخلص التدرّجي السريع والعادل والمموّل من الدول الغنية، لحماية حقوق الإنسان بسبب تغيرات المناخ، بالعمل على تقليص الاحترار العالمي إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، ولا يحصل ذلك، إلّا بالانتقال إلى جعل الطاقة المستدامة في متناول الجميع، عبر طائفة من الإجراءات والتدابير التي على سائر البلدان والأطراف المعنية الالتزام بها، علماً بأن العديد منها، خصوصاً الدول الصناعية تحاول التملّص من ذلك، وهناك العديد من الدعاوى القضائية المتعلّقة بتغيّرات المناخ والانتهاكات التي تسببها لحقوق الإنسان.
وبقدر ما تعني تلك القواعد المبرمة في الاتفاقيات الدولية، الدول والحكومات، فإنها في الوقت نفسه تشغل أنشطة المنظمات غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً الجماعات المدافعة عن البيئة، وجميع نشطاء حقوق الإنسان الذين يمكن أن يساهموا في صوغ السياسات وتقديم التوصيات ويكونوا قوّة اقتراح مكمّلة للحكومات ورديفاً لها في عملية التنمية المستدامة، ولتطبيق خطة 2030 لاحتواء وتطويق نتائج التغيرات الإيكولوجية التي يحدثها تغيّر المناخ، الأمر الذي يستوجب وضع السياسات والبرامج طبقاً لاحترام حقوق الإنسان والمعايير المستمدّة من الشرعة الدولية على هذا الصعيد.
الجدير بالذكر، أن رسالة مؤتمر دبي (كوب 28) تحمل شعار «تواصل العقول وصنع المستقبل»، وكان تقرّر منذ عام 2009 منح جائزة الشيخ زايد لتكريم العمل في قطاع الطاقة المتجدّدة والمستدامة.
اضف تعليق