في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، جرى لقاء القمة لتجمع زعماء العالم قبل أيام، ومع ان العادة الدبلوماسية جرت على إدراجه ضمن اللقاءات الروتينية التي يجتمع فيها قادة العالم للتعبير عن مواقف وتوجهات الدول التي يمثلونها تجاه ملفات استراتيجية او حساسة بالنسبة لهم... الا ان القليل منها يخرج عن السياقات الروتينية التي درجت العادة عليها... ويمكن اعتبار التجمع الأخير أحد هذه الاجتماعات المهمة التي حاولت إيصال العديد من الرسائل السياسية المهمة، خصوصا حينما يدور الكلام حول منطقة الشرق الأوسط.
أولى الملاحظات التي يمكن تسجيلها لهذه القمة المميزة، عودة الدور الروسي في الشرق... سيما وان بوتين الذي قاطع هذا التجمع لعقد من الزمن، عاد بقوة ليلقي خطابا ناريا طالب فيه بتحالف دولي لمكافحة الإرهاب يشترك فيه الجميع، على وزن التحالف الذي أقيم في الحرب العالمية الثانية لمحاربة هتلر والنازية، وكان للروس فيه دورا مفصليا ان لم يكن أساسيا... بوتين أكد على ان (الأسد) حليف روسيا، ومن الخطأ عدم التعامل معه في مواجهة الإرهاب، كونه الجهة الوحيدة التي تحارب التطرف في سوريا، لكنه في ذات الوقت اتفق ضمنا مع الولايات المتحدة الامريكية على إمكانية مناقشة الترتيبات لعملية انتقال سياسي، لم يحدد فيها من سيكون على راس السلطة.
الملاحظة الثانية سجلها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وهو يحاول نسج الخيوط للتمهيد لاتفاق محتمل لتوسيع (التحالف الدولي) ليشمل أطرافا، (ربما قدمت بعض المساعدة للولايات المتحدة الامريكية او حلفائها في مكافحة تنظيم داعش، لكن ليس بصورة علنية)، كانت تقف على مسافة غير قريبة من هذا التحالف، ومع ان أوباما شدد على رحيل الأسد ومنع أي دور مستقبلي له في المرحلة المقبلة، الا انه كان متساهلا ومنسجما مع الكثير من الأفكار (البوتينية) تجاه سوريا... كما انه اعطا للاتفاق مع ايران حول ملفها النووي، مثلا يحتذى به على (قوة الدبلوماسية)، التي يمكن تطبيقها في إيجاد الحل السياسي للازمة السورية... بالمقابل فان الرئيس الإيراني (حسن روحاني)، اعرب عن استعداده في المساهمة في مكافحة الإرهاب وإرساء الاستقرار في سوريا كما في اليمن.
الانسجام السياسي في كلام الزعماء الذين حضروا الى الأمم المتحدة، قد تكون ملاحظة أخرى جديرة بالاهتمام، وهي علامة جيدة على وجود تقارب حقيقي في الرؤى بين الأطراف الفاعلة في ملفات حساسة وخطيرة كما هو الحال في الملف السوي...
اوربا او على الأقل الدول الفاعلة فيها، فرنسا وبريطانيا، كانت تشعر بالحراجة من صعود الموقف الروسي وانسجام الامريكان معهم، إضافة الى إيران، على حساب دول الخليج التي لم يسمع صوتها عاليا هذه المرة... وقد حاول الاوربيين، ربما على مضض، ترديد عبارات "اوباما" عن دور انتقال (فقط) يتطلب وجود الأسد، من دون اهمال المطلب الرئيسي الذي تحاول فرنسا وتركيا وقطر الترويج له، وإنعاشه من جديد، في إيجاد (منطقة عازلة) في سوريا، قريبا من الحدود السورية-التركية، يفرض فيها حظر جوي للطيران، ويمكن استقبال اللاجئين السوريين فيها بدلا من نقلهم الى الاتحاد الأوربي.
طبعا ملفات كثيرة فتحت واعترافات أكثر جرى الحديث عنها بصورة سرية وعلنية خلال تجمع زعماء العالم في الأمم المتحدة، عن التهديدات المحتملة للأمن والسلم الدوليين في اسيا وشمال افريقيا والخليج، الا ان محور الحديث كان يدور حول خطر تمدد التنظيمات المتطرفة في العالم، وضرورة مكافحتها انطلاقا من سوريا، والاهم من ذلك هو الاتفاق حول بداية صحيحة تليها خطوات (واقعية) يمكن ان تحقق مالم تحققه الخطوات السابقة... وان صح هذا التفسير فالمعنى ان القريب العاجل سيشهد تحولات متسارعة في المشهد السوري على وجه الخصوص والإرهاب على وجه العموم.
اضف تعليق