كانوا يقولون، إذا أمطرت السماء في موسكو، رفع الشيوعيون القبعات في بغداد..
هكذا هي الأسطورة التاريخية التي شطح بها الزمن عندما كانت روسيا العظيمة تجمع في عباءتها عديد الدول المنضوية تحت لواء الإتحاد السوفيتي السابق الموشح بالأحمر القان، والمبدع في ترويض الشعوب والحكومات لينساقوا خلف الأوهام الكبيرة التي تلاشت مع الزمن ليبق الشيوعيون حول العالم مجرد أشباح مغتربة تخشى الإتصال بالناس كي لاتغيب عنها الحياة النورانية المفترضة والمصنعة بين صفحات كتب لينين وماركس وفردريك أنجلز وسواهم من مفكرين وفلاسفة أوهموا العالم إنه بدأ غريبا وسينتهي الى الجنة الأرضية.
صار الشيوعيون كالمصلحين الذين لايصغي لنداءاتهم أحد من البشر، أو أحد من الروس والشيوعيين في بقية العالم، وصارت التحالفات السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية عابرة للحدود والأديان والأفكار والعقائد. وحيثما تلتقي المصالح تكون الإتفاقات، وكأن قائل يقول، إذا أمطرت في موسكو رفع الإسلاميون الشيعة القبعات في بغداد والنجف، وفعل مثلهم اللبنانيون في جنوب بيروت، وإهتزت وربت دمشق، وقررت وتحركت طهران، بينما ينتظر آخرون هبوب الرياح الأمريكية والقطرية والسعودية والتركية.
سبحان مغير الأحوال من حال الى حال، فهذه المعادلة السورية تتغير تبعا لظروف سياسية قاهرة وتحولات دولية غير مسبوقة. نجح المحور التركي القطري في إبعاد السعوديين عن الملف السوري تماما، بينما إنزاحت القاهرة جهة دمشق الرسمية، وهناك رؤية مصرية مغايرة لم تلتفت للمواقف السعودية المتفهمة لوضع مصر، وتقضي هذه الرؤية الإستراتيجية بأن إنهيار النظام السوري يمثل كسرا للإرادة المصرية وهزيمة للجيش المصري، وبشرح مبسط، فإن طلائع الجيش المصري تقاتل الى جانب الجيش النظامي السوري.
الإيرانيون والعراقيون والسوريون واللبنانيون ومعهم موسكو بوتين يتهيأون لأكبر محاولة في التاريخ المعاصر لإنتاج منظومة سياسية وعسكرية تواجه الطموح الأمريكي وهيمنة واشنطن وتسعى لكبح جماح التمدد التركي القطري السعودي في الشرق الأوسط بعد سنوات من الفوضى الخلاقة كما تسميها المرحومة كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة التي لم تمت، لكن فوضاها الخلاقة ماتت والرحمة تجوز للفوضى وللسيدة التي ماتزال حية ترزق، لكنها حية لاتلدغ.
الدب الروسي يحلق في سماء العراق وسوريا وعبر إيران بالتأكيد، بينما واشنطن تطلب من بلغاريا منع الروس من التحليق عبر صوفيا وهو ما لايغيض موسكو التي تعرف الدروب جيدا، وقد قررت نهائيا إرسال طائراتها وبوارجها البحرية ومقاتليها وضباطها الى دمشق، وبعض منهم الى بغداد، وهناك تنسيق واسع بين الخبراء في الدول الأربع التي تمتلك أوراق مهمة في المنطقة خاصة وإنها تأتي للتحرك المباشر بعد أن فشل المحور المضاد في تحقيق أهدافه وأصابته النكسة، وصار يدعو لمشاركة الأسد في ترتيبات المرحلة المقبلة، وهذا مؤشر على بداية مرحلة جديدة من النزاع المر الذي سيصيب المنطقة بحال من الذعر والفوضى، ويدخلها في حرب مفتوحة يشارك فيها الجميع مباشرة وبالوكالة، ولعلنا سنعيش أياما صعبة في هذا المكان من العالم الذي يستقطب السلاح والمال والجنود، ويطرد الأطفال والنساء والشبان والشيوخ ليكونوا لاجئين في مواضع أخرى تفتح ذراعيها مؤقتا لهم.
اضف تعليق