ان دول العالم الاخرى لا تقف متفرجة ازاء هذا الاستقطاب العالمي، فقد تميل هذه الدولة الى التحالف الاول، فيما تميل الدولة الاخرى الى التحالف الثاني. وستعمل كل الدول الاخرى التي استطاعت ان تشخّص مصالحها الوطنية على استثمار هذا الاستقطاب من اجل هذه المصالح...
يدرك مخططو الاستراتيجيات في كل من روسيا والولايات المتحدة ان العالم يسير نحو الاستقطاب الثنائي مرة اخرى بعد مضي اكثر من خمسة عقود على انتهاء الحرب الباردة.
ومن الواضح لكل متتبع ان المحور الاول تقوده الولايات المتحدة، ويضم بطبيعة الحال الحلفاء التقليديين لها في اوروبا "الغربية"، واليابان، واسرائيل، ودولا اخرى. فيما تقود المحور الثاني روسيا ويضم بشكل اساسي الصين و ايران وكوريا الشمالية.
ويبذل كل محور جهودا دبلوماسية وسياسية وعسكرية واقتصادية من اجل توسيع نطاق تحالفاته الدولية عبر طرح العديد من المشاريع والافكار.
يدرك الطرفان، ان دول العالم الاخرى لا تقف متفرجة ازاء هذا الاستقطاب العالمي، فقد تميل هذه الدولة الى التحالف الاول، فيما تميل الدولة الاخرى الى التحالف الثاني. وستعمل كل الدول الاخرى التي استطاعت ان تشخّص مصالحها الوطنية على استثمار هذا الاستقطاب من اجل هذه المصالح.
وليس من الضروري ان الدولة التي لا تشعر بالحب نحو الولايات المتحدة ان تتحالف مع روسيا، كما انه ليس من الضروري ان الدولة التي لا تشعر بالحب نحو روسيا ان تتحالف مع الولايات المتحدة. فقد يعود الامر كما كان ايام جمال عبد الناصر وتيتو ونهرو فتشعر هذه الدول ان مصلحتها تتكمن في اتخاذ موقف عدم الانحياز والحياد الايجابي.
جيك سوليفيان، مستشار الامن القومي الاميركي، يعترف بالحقيقة المذكورة اعلاه، حيث قال في مقال نشره في مجلة "الشؤون الخارجية" الاميركية في عددها الاخير: "من الطبيعي أن الدول التي لا تنتمي إلى التحالف الأمريكي أو الصيني ستتعامل مع البلدين، سعيًا للاستفادة من التنافس مع الحفاظ على مصالحها الخاصة وعدم تأثرها بأية آثار جانبية.
يرى العديد من هذه الدول أنفسهم جزءًا من الجنوب العالمي، وهو تجمع يملك منطقه الخاصة به ونقد مميز للغرب يعود للحرب الباردة وتأسيس حركة عدم الانحياز." وهنا يتعين على كل دولة ليست منضوية الى اي من المحورين، وهي المسماة عامة بدول "الجنوب العالمي" ان تحدد مصالحها الإستراتيجية الوطنية حتى لا تجرفها الشعارات الحماسية والمواقف الانية وان تسعى الى التعامل مع المحورين بناء على مصالحها وليس بناء على اغراءات او املاءات اي محور.
في نفس الوقت، يتعين على دول المحورين ان تتجنب "إغراء رؤية العالم عبر عدسة التنافس الجيوسياسي أو التعامل مع هذه الدول بوصفها أماكن للتنافسات الوكلاء"، كما كان عليه الحال في فترة الحرب الباردة.
في هذا المجال وعد المستشار الامني الاميركي ان الولايات المتحدة "ستستمر في التعامل معها حسب شروطها الخاصة. يجب أن تكون واشنطن واقعية في توقعاتها عند التعامل مع هذه الدول، محترمة لسيادتها وحقها في اتخاذ قرارات تعزز مصالحها الخاصة."
لكن المواقف الاميركية المستمرة، وبخاصة موقفها من حرب غزة، وبالذات اصرارها على رفض وقف اطلاق النار لحقن دماء الابرياء لا توحي بالصدقية في هذا الوعد، ولا تشجع على الوثوق به. لهذا سيكون على الولايات المتحدة ان تقدم اكثر من هذا الوعد، وان تقرن الوعود المكتوبة او الشفهية بالاعمال المادية الملموسة.
يجب على الولايات المتحدة ان تدرك ان الدول الاخرى قد لا تشاركها في نفس المصالح والاهداف الوطنية وقد لا تشاركها في نفس القيم مثل مسألة الشذوذ الجنسي وتصنيف حماس كحركة ارهابية مثلها مثل داعش.
لهذا على الولايات المتحدة ان تطبق بحق ما قاله مستشارها للامن القومي من انها "في العقد القادم، ستقضي وقتًا أكثر مما قضته في الـ 30 سنة الماضية في الحوار مع الدول التي تختلف معها، غالبًا في مسائل أساسية. العالم يصبح أكثر صعوبة، ولا يمكن للولايات المتحدة التحدث فقط مع أولئك الذين يشاركونها الرؤية أو القيم."
هذا الموقف، واذا اقترن بما يماثله على الجانب الاخر، سوف يساعد دول الجنوب على سلوك طريق غير منحاز، سلوك يحقق مصالحها الوطنية فعلا.
اضف تعليق