ترسخت ثقافة الدفاع عن (إسرائيل) لدى أجيال الساسة الغربيين لأسباب عدة، جماعها الدين والانتماء الحضاري والفكر السياسي، واستمرت عقدة التعويض عن (الهولوكوست، أو إبادة اليهود التي كانت ثمرة من ثمار الفكر القومي المتطرف في الغرب)، تتناسل في الوعي الغربي، رغم كل الجهود التي بذلت لتصحيح الصورة، وما زالت (عقلية الضحية) الصهيونيَّة تبتز العالم...
ترسخت ثقافة الدفاع عن (إسرائيل) لدى أجيال الساسة الغربيين لأسباب عدة، جماعها الدين والانتماء الحضاري والفكر السياسي، واستمرت عقدة التعويض عن (الهولوكوست، أو إبادة اليهود التي كانت ثمرة من ثمار الفكر القومي المتطرف في الغرب)، تتناسل في الوعي الغربي، رغم كل الجهود التي بذلت لتصحيح الصورة، وما زالت (عقلية الضحية) الصهيونيَّة تبتز العالم، لضمان وجود واستمرار وتفوق الوطن القومي- الديني اليهودي على أرض فلسطين التاريخية.
اختصر التيار الإسلامي هوية الصراع بالقول إن إسرائيل هي وليدة المشروع الغربي ومخططاته ومصالحه، وأن الرد عليه ينبغي أن يكون بنفس أدواته ومفاهيمه، أي بمشروع مضاد بالكامل، والمقصود بالمشروع المضاد هنا هو المشروع الإسلامي مفاهيميا وقيميا وفكريا وسياسيا، فنحن امام صراع حضاري بتعبير صموئيل هنتغتون (1927 - 2008)، وصراع المشاريع الحضارية يستلزم استعدادا واعدادا يقوم على فكرة القطيعة مع الاخر والندية الشاملة، ولذلك يتحدث الإسلاميون عن أن مقاومة إسرائيل وحماتها الغربيين لن تكون مفيدة عبر مشروع وطني أو قومي، لأن الوطنية والقومية هي زوائد ونتائج الفكر الغربي، وما لبثت هذه المفاهيم والأفكار والمشاريع المنطلقة منها توصم بأنها نتاج المشروع المعادي، وينكرها الإسلاميون إيما إنكار، لأنها بزعمهم تخدم المشروع الغربي، بل هي أدواته لتفتيت الأمة وتمزيق هويتها الدينيَّة وإضعاف روحها العقائدية المرتكزة على المفهوم الإسلامي.
بهذه المنطلقات ولدت حركتا الجهاد الإسلامي منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ثم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نهاية الثمانينات، بعدما تعطل مشروع حركة التحرير الوطني الفلسطيني، واخفق المشروع القومي المناصر لها، بينما تلاشى فكر اليسار الديمقراطي (الماركسي) في أن يجد له جذورًا راسخًا لدى اليهود والعرب، ومات تفسيره الطبقي للصراع وتراجعت حلوله ورؤيته في جمع الفلسطينيين واليهود في دولة واحدة.
أنتج المشروع الوطني الفلسطيني سلطة وطنية على جزء من أرض فلسطين التاريخية لم ترق إلى مستوى دولة، حالما بدولة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، ضمن حدود حرب 1967، ووفق قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، ولأن الإسلاميين يعتقدون أن فلسطين هي أرض الرباط، التي لا يجوز أن يسود فيها غير الحكم الإسلامي، ولا يجوز التنازل عن شبر منها (لأنها وقف إسلامي)، فإن نظريتهم في ادامة الصراع، تستلزم استنزاف الوجود اليهودي وتقويض المشاريع الوطنية والقومية الفلسطينية المنافسة، والانفراد بإدارة الصراع وتوجيهه الوجه التي يريدون، وإعداد الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات لتحمل ضريبة وكلفة هذا المشروع!
أي أن المشروع الإسلامي المقاوم يريد الدخول في صراع شامل مع المشروع الصهيوني الغربي، وبكل الأدوات وعليه أن يدير في ذات الوقت مصالح ستة ملايين فلسطيني في غزة والضفة الغربية يزدادون سنويا ويحتاجون إلى كل شيء مثلهم مثل بقية شعوب الأرض.
انتهت قناعة الانظمة السياسية العربيَّة والتيارات (الوطنية والقومية) التي تعبت من الصراع وشاخت، إلى ان الممكن حاليا هو حل الدولتين لضمان حياة مقبولة للفلسطينيين على جزء من أراضيهم، ريثما يحصل تعديل في معادلة الصراع، ومشروع حل الدولتين يقتضي اعترافا وتطبيعًا وقبولا وتعاونا وتنسيقًا مع الدولة العبرية وحماتها الغربيين، وإلا فان المشروع الغربي -الصهيوني المهيمن والمتفوق حاليا سيدمر بقية البلدان، وينتج نخبًا وسلطات متوافقة معه، وفقا لهذه الرؤية، انطلق قطار التسوية والمبادرة العربيَّة الرسمية ليجد التيار الإسلامي الفلسطيني ان مهمته ستكون في غاية الصعوبة لجهة اقناع قسم من الفلسطينيين بخطورة هذا الحل، علاوة على عرب ومسلمين اخرين صاروا يعتقدون بـ (طوباوية) الحل الإسلامي الرامي إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر مالم يتغير ميزان القوى ويتعدل النظام الدولي الممالئ والمناصر لإسرائيل، لكن التيار الإسلامي، لم يتراجع وظل ينافح عن أفكاره وهو يسعى إلى توظيف كل الممكنات مستفيدا من بقايا فكر قومي ووطني وحمية قومية، وعاطفة شعبيَّة إسلاميَّة، ومراهنات على تعبئة حماسية تقودها المساجد وخطب الجمعة تذكر المسلمين بمصير أرض الرباط وأولى القبلتين والمسجد الاقصى وبالعداء الأزلي بين اليهود والمسلمين، وحتمية الانتصار الإسلامي، كما تشير اليها النصوص الإسلامية، حتى لو استمر الصراع قرونا، فقد شهدت أرض فلسطين احتلالًا صليبيا أبان حكم الدولة العباسية واندحر بعد 194 عاما (1095 - 1291) م.
اضف تعليق