ان المسؤولية الأخلاقية والتاريخية اليوم على الجماهير المسلمة في كل مكان للوقوف بكل امكاناتها وقدراتها الى جانب شعبنا المظلوم والمضطهد في غزة وسائر الاراضي الفلسطينية المحتلة، للتخفيف من وطأة المعاناة والصعوبات، وفي نفس الوقت الإسهام في المزيد من فضح حقيقة "الدولة الاسرائيلية" وقدراتها الوهمية...
منذ كنّا صغاراً في المدرسة، كانت الثقافة الحكومية تغذينا بنظريتها القومية على أن "فلسطين عربية"، وعندما كنّا نهتف بهذا الشعار في الشوارع لمحاولة تسكين الخواطر بأن فلسطين ليست اسرائيلية، ولكن؛ مع مرور الزمن والسنوات العجاف، تبين أن لا وجود لمرحلة لاحقة بعد كون فلسطين عربية يفترض ان تتمتع بكل ما تتمتع به البلاد العربية، ولو من الناحية الانسانية، كون تغيير الواقع السياسي على الارض صار من الصعب جداً بوجود احتلال عسكري ونظام سياسي مدعوم من دول كبرى في العالم.
والأنكى منه؛ عرفنا أن إهداء العروبية الى فلسطين ليس لإزالة آثار الحزن من وجوه الأمهات والاطفال، وشحذ همم الرجال ومساندتهم في تحديهم لقوى الاحتلال الصهيوني، وحفظ كرامتهم على أرضهم، ثم تحقيق الهدف الأكبر؛ تحرير فلسطين ومدينة القدس، وإنما هي لتسكين وتهدئة ابناء هذا الشعب المظلوم ليكون في قفص كبير وجميل اسمه "العروبية"، فقد كانوا طيلة حوالي ثلاثين سنة في القفص العربي الكبير، تحت عنوان "لاجئين"، حتى جاءت مرحلة "التسوية" ليكونوا هذه المرة في القفص "الوطني"، ينامون على أمل الدولة المستقلة، ثم يستفيقون على وقع الرصاص في الشوارع، و اجراءات القمع والاضطهاد يتجريف مزارع الزيتون، و قضم الاراضي واغتصابها من قبل المستوطنين اليهود القادمين من شتى بقاع الأرض برعاية الحكومة الاسرائيلية.
ولا أجدني بحاجة لنبش تاريخ العلاقات العربية الفلسطينية، وما تجرعه الفلسطينيون تحت أقبية المخابرات العربية، وما تحملوه من نفاق وازدواجية وتآمر الحكام، إنما العبرة في النهاية المأساوية لحقيقة مرّة تجسّدت في التخاذل العربي المريع أمام انتصار فلسطيني ظافر يصدم الكيان الصهيوني ويتسبب في فضح حقيقة قوته العسكرية والمخابراتية، ففي الوقت الذي يصرخ الشباب الملكوم والنساء المفجوعات باطفالهن، منادين العرب بالتعبئة لنجدتهم من القصف الانتقامي البشع للطائرات الاسرائيلية، ومن الحصار الظالم وقطع الماء والكهرباء والطرق عن قطاع غزة، نسمع نفس تلك الكلمات في السنين الماضية؛ "التهدئة"، و"التسوية"، إنما الفرق في تلك الايام كانت همساً في أذن القادة الفلسطينيين، واليوم تذاع عبر وسائل الاعلام المختلفة.
من المفترض ان يكون هذا الانتصار الفلسطيني، انتصاراً لكل العرب والمسلمين؛ شعوباً وحكومات ومؤسسات ثقافية ومجتمعية ما برحت تعلن الاعتزاز بكل ما هو عربي؛ العنصر، واللغة، والتاريخ، إلا المسؤولية الأخلاقية والانسانية إزاء الأخ العربي والأخت العربية، مع علم الجميع بوجود الأطار الديني الأوسع الشامل للقوميات كافة ضمن كيان الأمة الاسلامية، ولكن هذا لم يحصل، والسبب غريب؛ هذا الانتصار يحتفل به آخرون على علاقة غير ودية مع بعض "الوجودات العربية" على خارطة هذه الأمة، وفي فم الإعلام العربي حشرجة يصعب معها التحدث بلهجة تضامنية شجاعة يمكن ان تلتقي مع أصوات أخرى من كيان هذه الأمة، مثل؛ ايران، ليكون لدينا صوتاً واحداً يجبر الخواطر في غزّة المنكوبة، ويشدّ على أيدي الرجال الابطال هناك.
إن الانتصار العسكري الفلسطيني ضد قوات الاحتلال الصهيوني، تم على أيدي حركة تحمل شعارات اسلامية وهي؛ حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، واهدت هذا الانتصار، بعد الشعب الفلسطيني؛ الى كل التنظيمات الفلسطينية التي ناضلت وقاتلت لسنوات طويلة ضد الاحتلال، ثم الى جميع المسلمين في العالم، وايضاً؛ الى كل المقاتلين والشهداء في الجيوش العربية منذ حرب عام 1948، مسلطةً الضوء لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية على أن هذه القضية، اسلامية بامتياز، وبهذه المشاعر الاسلامية، والروح الايمانية الكبيرة، حققوا ما عجز عنه الآخرون طيلة ستين عاماً من الاحتلال، أي طيلة جيلين من تاريخ هذه الامة، وبهذه المشاعر والروح يصارعون ظلام الليل، وعطش النهار، وظروف معيشية قاسية لا يمكن وصفها لمن يعيش الأمان والحرية؛ يكتب ويتحدث ويعيش بشكل طبيعي.
وعليه؛ فان المسؤولية الأخلاقية والتاريخية اليوم على الجماهير المسلمة في كل مكان للوقوف بكل امكاناتها وقدراتها الى جانب شعبنا المظلوم والمضطهد في غزة وسائر الاراضي الفلسطينية المحتلة، للتخفيف من وطأة المعاناة والصعوبات، وفي نفس الوقت الإسهام في المزيد من فضح حقيقة "الدولة الاسرائيلية" وقدراتها الوهمية، للتعويض عما لحق بها من خداع وتضليل طيلة عقود عن "القوة التي لا تقهر"، و "الموساد الرهيب" و.... كلمات مضخّمة في كتب ومقالات ساعد الاعلام العربي والمطابع العربية على نشرها وتوزيعها لتكون ضمن ثقافة المطالعة للمواطن العربي والمسلم ايضاً.
اضف تعليق