في الوقت الحالي لا نستطيع القول ان تشرين ترقد على فراش الاحتضار، وعلينا الانتظار لما بعد الانتخابات القادمة لكي نعرف جيدا ماذا تبقى منها مع الاعتراف بعدم فناء أهدافها السامية التي تريد ان تمنع أحزاب السلطة من التغول ورفضها لمطالب تعديل السلوك السياسي...
الالتفاف الشعبي على ثورة تشرين ربما الأول من نوعه بعد تغير النظام السابق، فعلى امتداد ستة شهور ابتداء من تشرين الأول من عام 2019 وحتى نيسان من العام 2020، خرجت اعداد غير متوقعة تعبيرا عن رفضها لما تمارسه أحزاب السلطة من إساءة علنية لإدارة مؤسسات البلد وتحويلها الى مصالحها.
شرارة انتفاضة تشرين لم تستقر في قلب العاصمة بغداد وتحديدا في ساحة التحرير التي احتضنت جميع الحركات الاحتجاجية المناهضة للسلطة، بل امتدت الى اغلب المحافظات الجنوبية والوسطى المتضرر الأكثر من سوء استخدام المال العام وحرفه عن مهامه الصابة في خدمة الشعب.
ويمكن ان تعد تشرين الإعلان الحقيقي للرفض الجماهيري على التخبط السياسي والانعكاف على تحقيق المصالح الشخصية، وجراء هذا الإعلان استشهد ما يقرب من الستمئة شخص، الى جانب مئات الجرحى والمعتقلين في المقابل تمكنت بعد هذه التضحيات ان تجبر حكومة عادل عبد المهدي على تقديم استقالتها.
ووضع القوى السياسية امام الامر الواقع للتصويت على قانون انتخابات استطاع من تغيير الخارطة السياسية، ومن هذه التغيرات صعود القوى المنبثقة من الحراك التشريني، والاقتراب من صانعي القرار ومشاركتهم هذه المهمة، فضلا عن مشاكستهم عبر وضع العصى في عجلة التفاهمات والمحاصصة الحزبية، حتى اضحت هذه التحركات مصدر ازعاج للكتل التقليدية في البرلمان.
وبدأت بعد ذلك مرحلة التسقيط السياسي من قبل الأحزاب المتضررة من اندلاع المظاهرات حتى وصل الامر باعتقال قادتها ومحركي شرارتها، هذا نصيب من لم يصلهم الرصاص الحي الموجه من قبل القوات الأمنية الي وعدت قياداتها بمحاسبة القتلة والمقصرين!
احتجاجات تشرين شخصت مكامن الخطر والخلل في إدارة البلد وقالت ما يتمنى الملايين قوله بالعلن، لكنها اخفقت في جوانب كثيرة، منها عدم وضع قيادات مركزية، وكذلك الاعتداء في كثير من الأحيان على الممتلكات العامة، والاهم من ذلك كله لم تضع الجماهير الخارجة رؤية واضحة لإدارة البلد والاكتفاء فقد بشعار "نريد وطن".
بعد مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة الشعبية، لم يتغير شيئا، ولوا أجرينا مقارنة على عجل يمكن ملاحظة التراجع الكبير في المؤسسات الحكومية، وتزايد حالات الفساد، حتى المشاركة السياسية اقتصرت على جهات متنفذة ابتلعت الأحزاب الفتية الناشئة بضمنها التشرينية، وإذا أردنا تقييم المرحلة الحالية قياسا مع ما حققته تشرين من مكتسبات سياسية لم يبق سوى الاسم من الحراك الذي أراد تغير المفاهيم السياسية وأساليب إدارة دفة الحكم.
تآكلت القوة التي اكتسبتها قوى تشرين في الانتخابات الماضية، وقد ضيقت دائرة تحركاتها القوى المتجذرة في السلطة، والتي تتصرف بثقة عالية وتصميم على هزم الخصوم التشرينين، وبالفعل كان لها ما بيتت، حيث تمكنت من إرجاع العمل بالقانون الانتخابي القديم ذي الدائرة الانتخابية الواحدة.
وهذا الارجاع يعتبر المسمار الأخير في نعش القوى الجديدة الصاعدة التي لم تتمكن من البقاء في الواجهة ومواصلة الاستمرار حتى بلوغ الانتصار في الجولة الانتخابية الثانية المزمع أقامتها في الثامن عشر من كانون الأول المقبل، وبذلك أصبحت الكتل حديثة العهد واقفة على كثبان رملية.
مصير الحركات الاحتجاجية الموت ان لم يكن فيها من ينظر لها ويرسم استراتيجيتها، لكن في الوقت الحالي لا نستطيع القول ان تشرين ترقد على فراش الاحتضار، وعلينا الانتظار لما بعد الانتخابات القادمة لكي نعرف جيدا ماذا تبقى منها مع الاعتراف بعدم فناء أهدافها السامية التي تريد ان تمنع أحزاب السلطة من التغول ورفضها لمطالب تعديل السلوك السياسي.
اضف تعليق