لا تستغرب هيمنة اللامبالاة على سلوكنا، وتراجع الانتماء لوطننا، لأننا تركنا الوعي والمعارف تتشكل بتجارب الصدفة، وليس بالدرس المنهجي مذ يحط أطفالنا أقدامهم في المدارس، بل صرنا نخشى عليهم من مدارسهم، نرسلهم صفحات بيضاء ناصعة ويعودون الينا محملين بكل ما هو قبيح، ألفاظ بذيئة، سلوك عدواني، عدم القدرة على التنظيم وغيرها...
كأننا لا نفكر، ولم نتعلم من مدارسنا شيئا، او من مجالسنا درسا، لكن عندما يتكلم أحدنا يبدو وكأنه علاّمة زمانه، يخوض في غمار جميع الموضوعات بعيدها وقريبها، ويدعي من العلم غزيره، ومن الثقافة أوسعها، يوحي بمعرفة كل واردة وشاردة، كل هذا الادعاء وليس لدينا القدرة على التنبؤ او استشراف المستقبل، او أن نحسب أحسن الاحتمالات وأسوأها، ليس لدينا امكانية التوقع، والا بماذا نفسر أن يموت العشرات ويصاب المئات بحريق قاعة أعراس، باتت معارفنا تتشكل بتجارب الصدفة وليس بالتعليم، نكتوي بنيران الحرائق لنتعلم ان للسلامة اجراءات، وان للرقابة دورها في حماية الناس من شراهة الموت في بلادنا، وان من غير الجائز أن يعمل أصحاب قاعات المناسبات على هواهم، بلا حسيب او رقيب، فتتحول أعراسنا الى مآتم.
بعد حريق الحمدانية بدأت تطرق مسامعنا ان الجهات المختصة تحركت على عجل لفحص القاعات، ومطالبة أصحابها باتخاذ وسائل السلامة تصميما وبناء ووسائل للطوارىء، أين كنتم يا سادة؟، ألم يخطر ببالكم حدوث مثل هذه الكارثة من قبل، او تتوقعوا تسمم الناس بالمأكولات التي تقدمها، وهل تعرفون أي المطاعم جرى الاتفاق معها، هل حدث ان قامت لجنة صحية بزيارة مفاجئة لهذه المطاعم؟
ليس جديدا أن تتشكل معارفنا بالمصادفات، فقد سبق ان اكتوينا بحرائق الطائفية المقيتة، وراح ضحيتها الآلاف، لكن أحدا لم يشغل باله بالتفكير: ماذا علينا ان نفعل لكي لا تتكرر مستقبلا، وألا تمد مخالبها الى مؤسساتنا؟، وصرنا نسمع بعد أكثر من عقد ونصف من يدعو لتشريع قانون لتجريم الفعل الطائفي، ما شاء الله، ما هذه السرعة الفائقة في معالجة مرض اجتماعي قاتل.
لقد سخف أفكاري سيادته يوم قلت له ان من مات بمرض السرطان في محافظتي لم يتجاوز عددهم خمسمائة شخص خلال عامي 2006 و 2007، لكن الذين استشهدوا خلالها بالمرض الطائفي أحد عشر ألف انسان، فأي المرضان أجدر بالاهتمام؟، ولذلك المفروض أن تخصص من الأموال لمعالجة الطائفية أضعاف ما يخصص للسرطان.
ما أعظم منجزاتنا، ينشرح لها صدرك، ويشعرك سماعها بالأمان، لكن للأسف جميع ما يُشاع من عمل على الورق فقط، ولم يحدث يوما أن طلبنا ممن تولوا زمام الأمور استعراض ما كان عليه الواقع قبل توليهم مناصبهم وما تحقق أثناء ولايتهم بالأرقام والشواهد والأدلة التي يراها الناس على الأرض. للأسف يأتي المسؤول ويذهب والأمور من سيء الى أسوأ، بينما نسبح في خير وفير، وعليه يحسدنا الآخرون.
تتألم كثيرا وأنت تشاهد الوزراء المصريين يستعرضون في مؤتمر حضره رئيسهم عبد الفتاح السيسي ما حققوه من منجزات لافتة خلال السنوات الأربع الماضية بالفقر الذي تعانيه بلادهم، وأكثر ما لفتني ما حققته وزارة الثقافة لديهم، هم يدركون أكثر منا ان الثقافة مدخل للارتقاء بكل شيء، لأن تشكيل الوعي مرهون بها وليس بغيرها، واذا تبلور الوعي تحقق الانجاز المطلوب في كل الميادين .
فلا تستغرب هيمنة اللامبالاة على سلوكنا، وتراجع الانتماء لوطننا، لأننا تركنا الوعي والمعارف تتشكل بتجارب الصدفة، وليس بالدرس المنهجي مذ يحط أطفالنا أقدامهم في المدارس، بل صرنا نخشى عليهم من مدارسهم، نرسلهم صفحات بيضاء ناصعة ويعودون الينا محملين بكل ما هو قبيح، ألفاظ بذيئة، سلوك عدواني، عدم القدرة على التنظيم وغيرها.
ليس عبثنا عندما وضع الأوائل التربية قبل التعليم، ومع ان أغلب مدارسنا بائسة في كل شيء، ومع هذا البؤس قدمت التعليم على التربية، واتكأت على الآباء في تعليم الأبناء أكثر مما استندت الى جهودها، اما التربية فأجزم بغيابها الا من جهود شخصية لبعض الذين مازالوا يحللون ويحرمون. أما الأكثرية فرأس الشهر بات هو المبتغى. وفي هكذا حال كيف لا تلتهمنا الحرائق.
اضف تعليق