عند الحديث عن مكون مهم كالشيعة مثلا، ودوره في صنع مستقبل العراق السياسي، فهذا لا يعني ان الحديث يحمل ابعادا تقسيميه او مذهبية، بقدر ما يعني، الحديث عن مكون مهم ورئيس ضمن الوان الطيف الذي يمتاز به العراق عن سائر اقطار العالم العربي، وهو (التنوع) مصدر قوة لا ضعف لو احسن الاخرون (السياسيون بالأخص) استخدامه بعيدا عن المآرب الاخرى.
وبالتالي فان الشيعة (وهم يشكلون الاغلبية السكانية والسياسية) في العراق اضطلعوا بدور سياسي محوري في ادارة شؤون البلاد، طبعا بالتوافق مع المكونات الاخرى، منذ سقوط النظام السابق (الذي كان يعتمد الفردية والاستبداد في قيادة البلاد) عام 2003 وحتى الوقت الحاضر، وهو ما وضعهم في واجهة الاحداث المختلفة التي مر بها العراق، سلبية كانت ام ايجابية، سيما وان التحول الديمقراطي الذي مر به العراق، لم يكن تحولا سلسا ومثاليا، وانما كانت له الكثير من التبعات والصعوبات الداخلية والخارجية التي هددت (وما زالت تهدد) مسألة التحول الى النظام الديمقراطي ودولة المؤسسات وحكم الاغلبية عن طريق صناديق الاقتراع.
وقد شهد العام الحالي (2014) الذي نقف على نهاية اعتابه، الكثير من الازمات (الاقتصادية والامنية) والصراعات (الاقليمية والدولية) والخلافات السياسية (بين الكتل السياسية من جهة وبين المركز والاقليم من جهة اخرى)، التي عصفت بوجود الدولة العراقية، فضلا عن استمرار العملية السياسية، ومن الضروري لأصحاب القرار السياسي والمتابعين للشأن العراقي ان يركزوا على اهم الصعوبات التي مرت خلال العام الحالي، وما لذي يمكن الاستفادة منه، من اجل قراءه الاحداث المستقبلية التي قد تعترض عمل الدولة العراقية لعام 2015، والتي من المتوقع ان تحمل في ثناياها الكثير من المفاجآت، حتى يكون الجميع على قدر المسؤولية في تحمل واجباتهم التي انيطت بهم، لبناء دولة المؤسسات، والحفاظ على النظام الديمقراطي الذي يتمتع به العراق حاليا (رغم جميع السلبيات)، بعيدا عن كل الامور الثانوية الاخرى.
وفي هذا السياق كان الشيعة امام تحديات مهمة
1. خطر تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش) والتي اطلق عليها "حرب الوجود"، بعد ان تمكن التنظيم في التاسع من حزيران الماضي استغلال الاوضاع الامنية والسياسية المرتبكة والقيام بهجوم واسع النطاق لاحتلال محافظة الموصل بالكامل (وهي ثاني اكبر مدن العراق من حيث السكان بتعداد يفوق المليونين نسمة)، اضافة الى مساحات واسعة من محافظة الانبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، ومناطق حيوية من بابل وحزام بغداد، وقد هدد التنظيم خلالها بالزحف نحو محافظات الوسط والجنوب، بعد اسقاط العاصمة بغداد، حسب بيان العدناني، الناطق الاعلامي باسم تنظيم داعش، الامر الذي يعني حرب طائفية تستهدف الوجود الشيعي، اضافة الى اسقاط العملية السياسية في العراق الذي يعتبر حجر الزاوية بالنسبة لخلافة داعش الاسلامية المزعومة.
واستطاعت القوات الامنية بمساعدة الشيعة (المرجعية الدينية والمتطوعين الشيعة) والمجتمع الدولي من احتواء الصدمة ومنع تهديد داعش من احتلال المزيد من الاراض، اضافة الى تحرير اغلب الاراضي التي سيطر عليها استعدادا لمعركة الموصل القادمة.
2. عملية الانتقال السلمي للسلطة التنفيذية (رئاسة الوزراء)، وما جرته من خلافات حادة بين المكونات والكتل السياسية جعلت حد التوافق فيما بينها يقف على خيط رفيع بين استمرار العملية السياسية او الانتقال الى سيناريوهات غامضة قد لا يستبعد فيها خيار الاقتتال الطائفي كما حدث في الكثير من دول العالم التي فشلت في اختبار انتقال السلطة من شخص الى اخر، خصوصا وان الكثير من الملاحظات السلبية قد سجلت على الحكومة السابقة التي لم تستطع الخروج من نفق الازمات الذي دخلت فيه.
واستطاع الشيعة خلالها من فض الاشتباك السياسي واختيار قيادة جديدة (حكومة حيدر العبادي)، وضمان انتقال سلمي للسلطة، ومنع اي استغلال او تمسك بالسلطة قد ينتج استبداد او تمسك شخصي بالحكم.
3. مشكلة حفظ الاقليات وعملية التغيير الديمغرافي الذي فرضه اسلوب داعش في حمله الابادة الواسعة التي اعتمدها خلال سيطرته على مناطق وجو الاقليات (المسيح، الايزيد، التركمان، الشبك، الكاكائيين...الخ) واستهدافها في شمال وشمال شرق وغرب العراق، وقد تبعت ذلك حملة تهجير ونزوح داخل وخارجي واسعة النطاق.
الظاهر ان هناك تفاهمات بين المكونات المهمة بضمان حقوق الاقليات وعودتها الى مناطق وجودها التاريخية، ويرى خبراء ومحللون ان انهاء سيطرة داعش على الموصل وتوفير المزيد من الامان في المناطق المضطربة، قد يكون كفيل بإنهاء مشكلة التغير الديمغرافي الذي حصل في العراق.
4. الازمة الاقتصادية التي شملت معظم الدول المنتجة للنفط، (سيما تلك التي تعتمد على النفط كمصدر اساسي لناتجها القومي، حيث يشكل في العراق نسبة تصل الى 95% من ميزانية العراق)، بعد الهبوط المدوي والسريع للنفط، الذي خسر خلاله (خلال شهر او يزيد بقليل) اكثر من 50% من قيمته السوقية (هبط من 115 دولار للبرميل الى 60 دولار للبرميل الواحد)، ما ادى الى خسارة العراق لعوائد مالية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
ويرى خبراء اقتصاديون، ان ازمة تذبذب اسعار النفط من ابرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي، وقد تنتقل هذه الازمة الى عام 2015، وهو امر يفرض العمل بجد للحد من انعكاساته السلبية عبر اليات ووسائل عملية تجنب البلد المرور بدوامة الانكماش والتقشف الاقتصادي.
الفرص المتاحة
هناك العديد من الفرص المتاحة حاليا بالنسبة للشيعة في احتواء الازمات السياسية التي مر بها البلد، والحفاظ على جو التوافق المتاح راهنا (في ظل حكومة العبادي) والمشجع جدا للحوار والاتفاق بين الكتل والمكونات السياسية الاخرى على المسائل العالقة والخلافية، والدور المحوري للشيعة، يكمن في استغلال هذه الفرص والعمل بسياسة الواقع، في حفظ التوازنات السياسية باعتبارهم صمام الامان والراعي الاساسي لديمومة الديمقراطية في العراق، وطبعا بمشاركة الاكراد والسنة، الشريكين الرئيسين في عملية صنع المستقبل العراقي.
ويمكن العمل على الفرص التالية في التقدم نحو الامام بدلا من جني المزيد من الاخفاقات السياسية، كما حصل في السابق:
1. الاستفادة من فرصة التوافق الدولي حول قضية مكافحة الارهاب العالمي، وهو توافق قل مثيلة (كما عبر وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية كيري في احد تصريحاته)، في تعزيز العلاقات مع دول الجوار والمحيط الاقليمي والدولي، وهو امر ضروري في كسب المعركة مع التطرف لصالح العراق عبر الاستفادة من كل الامكانات المتاحة.
2. تعزيز جو التوافق السياسي الداخلي الحالي (الذي ربما يكون انعكاس للتوافق الاقليمي والدولي بشكل او اخر) لحلحلة وتصحيح الكثير من المسارات المربكة للعملية السياسية، اضافة الى تأسيس ثوابت وطنية يتفق عليها الجميع في الحفاظ على مكتسبات الديمقراطية في العراق.
3. الاستمرار في مكافحة الفساد (الموجود في جميع مؤسسات الدولة) ومعدلاته المرتفعة جدا، خصوصا وان هناك رغبة حقيقية لدى السلطات الثلاث في مكافحة الفساد والقضاء عليه مثلما تكافح القوات الامنية الاهاب وتحاول القضاء عليه.
4. هبوط اسعار النفط، قد ولد فرصة لإعادة التفكير في جدوى الاعتماد على الاقتصاد الاحادي الجانب (الريعي)، وهو امر ضروري للتفكير بمستقبل العراق الاقتصادي، وتفعيل جوانب الانتاج الاخرى المعطلة، ضمن خطط استراتيجية لتنمية الموارد والقطعات الاقتصادية.
اضف تعليق