امسكت نفسي طوال الطريق وانا غارق بصمت عميق لم اغادر التفكير بمستقبل بلادي وكيفية النهوض بمدنه و ببناه التحتية، في وقت لم تنفك فيه ابراج نقل الطاقة الكهربائية وشبكاتها من ان تمسك ذهولي وهي لم تنتهِ امتداداتها وتشابكاتها العنكبوتية هي الاخرى على جانبي الطريق حتى تبلغ نهاياتها عند سور الصين العظيم ...
دخلت العربة المخصصة لرجال الاعمال وبأنتظارنا سيدة مسؤولة على راحة الزبائن وجلهم من النخبة، وظلت تلك السيدة تستقبل الجميع بأبتسامة عميقة خالية من الظفر وهي تدرك مغزى استقبالها الينا ولاسيما نحن القادمين من بلاد شرق المتوسط دون ان تقيس قوتها بقوة الرجال من ذوي الجاه والخيلاء والرجولة. اجلستنا السيدة دون عناء او خسارة في الوقت والجهد ازاء الاعين الناقدة بل إنبثت في نفسها روح المودة دون ان يسترق اليها نظر الغرباء بأعينهم الماكرة.
غادر القطار بكين بطمأنينة وسلام لتنثال عليّ الرؤى و الخواطر وكأن فكري بات انشط من قلبي ليغلبني من فوري احساس بأن الصراع مع الجهل في هذه الحياة يُعد الوحيد الذي لا تدري الامم كيف يأخذ بتلابيبها.
الصين بلاد عظيمة مندفعة بالبناء والإعمار والتقدم وهي الامة الاعلى في العالم القادرة على تحويل الالاف من براءات الاختراع الى منتجات في العام الواحد.
أخذ القطار الواصل بين العاصمة بكين والمتجه الى مدينة شنغهاي (الذي بلغت سرعته ٣٠٤ كيلو متر بالساعة مسافة اجمالية بلغت حوالي ١٣٨٠ كيلومتر وكانك بطائرة من حيث توافر الخدمة ووجبات الغداء التي لم تخلوا من من دجاج kfc الشهي وعلبة الكوكاكولا والمكملات الاخرى ) اذ استغرقت الرحلة ساعات قليلة وانا أراقب أرياف الصين الخضراء والقصبات والمدن الصغيرة والاكبر الشديدة التنظيم والعمران ولَم ينقطع المنظر الجميل طوال الرحلة ولم تفارقن المشاهد على جانبي الطريق التي اكتظت بمزارع منظمة ومجمعات سكن شاهقة رائعةً العمران وغيرها من مفاتن التقدم وبمختلف الطرازات الجميلة المنسقة ...واجبت نفسي من فوري انها أمة ذات ارادات عظيمةً….!!
أجابني مرافقي ومضيفي السيد Ben وهو شاب صيني يحمل شهادتي البكلوريوس والماجستير في العلوم الهندسية من كلية imperial college في لندن /قائلاً ان البلدات التي مررت بها والمزارع العظيمة التي شاهدتها كلها قد رفعت في الماضي شعاراً عنوانه: الطريق اولاً ...ذلك من اجل التواصل الاقتصادي والاجتماعي مع نفسها وجيرانها من البلدات ومع الصين الكبرى اجمالاً .فأجبته نعم انه شيء رائع تنسجم به الامة الصينية وهي تواصل تقدمها مع ابناء جلدتها بالاعمار والبناء، ثم استرسل Ben قائلاً ان بناء الطرق كأولوية شعبية وتنموية تزامنت مع اعتماد بنية تحتية متكاملة لم تقتصر على شق الطرق وتعبيدها فحسب وانما امتدت لتكتمل من البنى الاساسية الاخرى.
امسكت نفسي طوال الطريق وانا غارق بصمت عميق لم اغادر التفكير بمستقبل بلادي وكيفية النهوض بمدنه و ببناه التحتية . في وقت لم تنفك فيه ابراج نقل الطاقة الكهربائية وشبكاتها من ان تمسك ذهولي وهي لم تنتهِ امتداداتها وتشابكاتها العنكبوتية هي الاخرى على جانبي الطريق حتى تبلغ نهاياتها عند سور الصين العظيم .
ختاماً : سألت مرافقي السيد Ben ذلك الشاب الممتلئي الذكاء الشديد الحيوية عن ماهية المباديء التي تسير عليها الامة الصينية كي تبلغ مبلغها بهذه الإنجازات البنوية الرائعةً؟؟ فتبسم قليلاً ليجيبني قائلاً؛ بعيداً عن فلسفة (الفينك شوي -feng shui) التي يستخدمها الشعب الصيني بمعتقداته في تقرير واعتماد الطاقة الإيجابية عند العمل واختيارالمكان وغيرها ((اي من خلال بلوغ ثلاثية قوية في الحفاظ على الاهداف الانسانية في الوصول الى : الخير (او الثروة ) والصحة و الحظ السعيد ))فان النظام القانوني (الذي يخضع اليه الشعب الصيني في تلك البلاد والذي يُعد الاساس المتين في توفير مقومات العمل والعدالة لمسارات بشرية جمعية متماسكة وقوية) يقوم في مبادئه على ثلاثية أُخرى تختلف عن فلسفةً الفنك شوي وقوامها :اولويةً النظام على الحرية
واولوية الواجب على الحق
واخيراً اولوية مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد.
ختاماً بلغت مدينة شنغهاي المزدهرة الجمال والعمران التي اختلط فيها البناء (الكولينيالي) القديم بالحضري المعماري الجديد ولكن دون ان افقد الأمل بعراق ناهض اشد اشراقاً وانا انظر الى مضيفي وكانما اريد ان اقول له: بان مباديء الصين الحديثة وتناسقها المنطقي في تسطير اولوياتها في النظام القانوني الاجتماعي والتي كتبت صينياً من الأعلى الى الأسفل هي نفسها في بلادي قبل اكثر من اربعة عقود ضائعة ولكنها يالأسف قد قرأت عربياً من الشمال الى اليمين (عكس التيار) او كتبت من الشمال بدلاً من اليمين ،وبهذا تعطلت عجلة البناء والإعمار طوال المدة التي استغرقتها بلادي باقتصاديات الحروب العبثية والحصارات والصراعات لتنتقل فيها الصين سلمياً من المقطورات البخارية القديمة الى صناعةً القطارات الكهربائية الشديدة السرعة وعظيمة التواصل بين ابناء الامةً الصينية نفسها وهي تحقق شعارها الاول: الطريق أولاً لتبلغ اليوم جدران سميكة من البنى التحتية المشرقة و يطيب لي ان أسميها وانا اغادر شنغهاي :بأسوار الصين التكنولوجية العظيمة.
اضف تعليق