في الحرب الدائرة على اليمن، والفوضى التي خلفتها في المنطقة، ثمة مجال واسع لتصفية الحسابات بين بين الخصوم... القوى الإقليمية التي تتناوب في الهيمنة على الدول الاضعف، إضافة الى حلفائها او من يقفون على الحياد، سيما وان رسائل الحرب التي تسبق الجنوح الى المفاوضات والسلام يمكن ان تكون أكثر تأثيرا عندما ترسل من طائرة حربية او فوهة مدفع او منصة صواريخ بعيدة المدى.
السعودية لم تدخر أي وسيلة إعلامية او قناة دبلوماسية او حليف، الا واستخدمته لتوجيه الاتهامات الى غريمتها إيران، بعد ان ربط جماعة أنصار الله (الحوثيين) بالحرس الثوري الإيراني، والجنرال قاسم سليماني، مؤكدة ان تحركها العسكري نحو اليمن، جاء لإنقاذ اهل الخليج من المد الإيراني.
فيما اعتبرت إيران، ان المملكة العربية السعودية، كعادتها، غالبا ما تستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي للسيطرة على الدول الضعيفة، معتبرة ان تدخلها المباشر في اليمن، هو عدوان انتهك سيادة بلد حاول مواطنوه ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم السياسي وتحقيق الإصلاحات في مؤسسات الدولة، وطرد الحكومة العميلة للنظام السعودية.
طبعا اتهامات لا تنتهي عند حد، وكل طرف يحاول اثبات وجهة نظرة على حساب اليمن وأهلها... لكن المثير في هذه السجال المتواصل من الاقوال والاحداث والمواقف، ما برز في الوسط من حادث قصف طائرات "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية، لمقر إقامة السفير العماني في العاصمة اليمنية صنعاء، وما تبعة من استدعاء وزارة الخارجية العمانية للسفير السعودي لدى مسقط وتسليمه رسالة احتجاج على تلك الضربات الجوية، بحسب الرواية الرسمية التي نقلتها وكالة الأنباء العمانية (الرسمية)، وأكدت فيها استهدف مقر إقامة سفير عمان لدى اليمن بصاروخ حربي لطائرات التحالف.
الناطق الرسمي باسم قوات التحالف السعودي، العميد العسيري نفى هذا الامر، وأوضح ان مبنى وزارة الداخلية اليمنية، هو المستهدف وليس مقر إقامة السفير العماني، مؤكدا قبول التحالف لأي تحقيق حول هذا الحادث.
لكن هل يمكن ان نتسأل عن السبب وراء اختيار سفارة سلطنة عمان لضربها بصاروخ من الجو... ان صدقنا ما ادعاه العمانيون؟
- هل السبب لان مسقط هي من قادة المفاوضات السرية التي جمعت إيران بالولايات المتحدة الامريكية قبل أكثر من عامين، لتنتهي بعقد اتفاق نووي (تاريخي) ادخل إيران في نادي الكبار النووي.
- هل السبب قرب مسقط من إيران، ونهجها الحيادي في حرب اليمن واعتراضها على تشكيل قوة عربية مشتركة، وصمتها عن تأييد او مسايرة اغلب القرارات السعودية.
- هل للأمر علاقة بما تقوم به من جهود للوساطة في قضية اليمن، وحلها عن طريق المفاوضات، بالتعاون مع الأمم المتحدة الولايات المتحدة الامريكية وإيران، سيما وان وفد الأمم المتحدة والحوثيين وصلوا الى مسقط لاستئناف المحادثات التي أصرت حكومة هادي المدعومة من السعودية على فرض شروطها منذ البداية.
- هل هناك علاقة بين الضربة والافراج عن 6 رهائن، كانوا معتقلين لدى الحوثيين، بينهم سعوديان، وتسليمهم الى الأمم المتحدة عبر مسقط أيضا.
- هل هي رسالة من نوع ما (تهديد)، لمن يعنيه الامر (إيران)، تزامنا مع التحشيد البري الواسع، للسعودية وحلفائها، استعدادا لاجتياح العاصمة صنعاء وطرد الحوثيين منها.
قد يكون من المبكر لأوانه الحكم على ما ستؤول اليه احداث اليمن... لكن التصعيد في لغة المواجهة على هذا النحو تعطي مساحة أوسع من التوقعات، خصوصا وان الوسيط العماني نجح في تحقيق اغلب الصفقات السياسية التي تبناها، ولعل الخشية السعودية من نجاح مسقط في تحقيق اتفاق يمني-يمني او يمني-دولي، دفعها الى توجيه رسالة شديدة اللهجة.
تسريع العمليات العسكرية البرية من الجانب السعودي لحسم المعركة في أقرب فرصة، قد يعطي مؤشرا اخر على حجم الضغط المسلط على المملكة السعودية من المجتمع الدولي لوضع حد لحرب الاستنزاف المتواصلة منذ خمسة أشهر.
ربما ستقيد حادثة ضرب السفارة العمانية في اليمن ضد مجهول لعدم كفاية الأدلة، وقد تدرج في زوايا الكتمان، لكن اغلب الظن ان الرسالة وسط الى من يعنيه الامر في مسقط وغيرها... وقد تحدد الأيام القادمة طبيعة الرد تجاه الرسائل السعودية.
اضف تعليق