يحتاج هذا النوع من الشعوب الصابرة والمتحملة للإخفاقات الحكومية المستمرة، الى النظر بعين تختلف عن العيون السابقة، فهو شعب يستحق العيش بكرامة ويستحق ان يتعلم وينهض ويدهر، ويستحق ان نُبعد عنه كل ما يجعله حزين بائس، وإن لم يرى النور كل ما ذُكر فمن المتوقع ان ينفذ الصبر...
ارتفاع موسمي في درجات الحرارة، انقطاع منتظم للتيار الكهربائي، قلة في الإطلاقات المائية بشقيها الصالح للاستخدام المنزلي والمستخدم في ري المزروعات، تفاوت في أسعار صرف الدولار بصورة مستمرة، ومع كل ذلك نشاهد عجلة الحياة في العراق تسير دون توقف، فمتى ينفذ صبر العراقيين؟
للعراقيين مواقف كثيرة واستثنائية مع الصبر، وقرابة العقدين من الزمن يرزح أبناء الشعب تحت الفقر والحرمان وضياع الحقوق، وعدم التساوي في فرص العمل والتعيين وغيرها من الأمور التي حولت الفرد العراقي الى فرد بائس يائس مقتنع بما يأتيه من فتات الخدمات.
وحين بلغت حالة الغليان الداخلي ذروتها وانخفضت نسب الصبر لدى اغلب الشرائح، خرجت الجماهير الغاضبة بثورة شعبية، سُميت بثورة تشرين، اذ طالبت الجموع الخارجة بإجراء تغيرات جوهرية يصعب تحقيقها، من بينها إرجاع نظام الحكم في العراق الى الجمهوري بعد ان اخذ النظام الديمقراطي يشق طريقة وتتبناه الطبقة السياسية الحالية.
ونتيجة لهذه المطالب التي تراها السلطة غير مشروعة بدأت حالات البطش وأدت الى استشهاد العشرات وجرح المئات، واعتقال الكثير من المؤثرين في تأجيج الاحتجاجات، حتى اخذت شرارتها بالانخماد وتحولت الى مسيرات خالية الأهداف والمضامين وتلاشت بشكل نهائي.
بعد الإجراءات البوليسية القاسية مع الخارجين للمطالبة بالحقوق، وانتهاء مظاهر الاحتجاج، عادت الازمات الى الظهور مجددا، ويأتي في مقدمتها ازمة الكهرباء والمياه، اذ باتت الأخيرة تهدد الحياة في المناطق الريفية بما فيها من مزروعات وثروة حيوانية.
ولم تكلف الحكومة نفسها في البحث عن طرق تخفف حدة الاضرار اللاحقة بالمواطن، بل ذهبت الى أقصر الطرق وهو منع المزارعين من تشغيل مضخات المياه المستخدمة لسقي المحاصيل، بدافع ازمة المياه التي تعصف بالبلاد، ورغم كل هذه الإجراءات هنالك مواطنين متحملين وصابرين على ما يصدر عن الجهات الرسمية من تعليمات وان كانت تلحق بهم الحيف والاذى.
لا تنتهي معاناة المزارعين عند ازمة العطش، بل تبدأ مأساتهم حين الشروع بتجهيز الأراضي للموسم الزراعي المقبل، وفقدان الدعم الحكومي هو العقبة الكبيرة التي تواجههم على مدار السنة، وارتفاع أسعار الأسمدة والبذور أصبحا من المعوقات الكبيرة التي تمنع المزارع من الاستمرار في الزراعة.
ولا تقل عظمة المشاكل بالنسبة للأشخاص العاملين في المجال التجاري والاستثماري، فلديهم ما يكفيهم من معوقات تجعلهم يقللون من نشاطهم التجاري الداخلي ويعوضون ذلك عبر بوابة الاستثمار الخارجي، ومع ذلك نجد الإصرار على الحياة ومواصلة السعي والمكافحة لإثبات الوجود.
ولم يجد الفرد العراقي الطريق مزروع بالورد حين مراجعته لإحدى الدوائر الحكومية، ومن يتوجب عليه ذلك، لا بد ان يتحلى بكميات استثنائية من الصبر ليتعايش مع جميع مراحل الازمة وينهي المعاملة وان تأخرت لشهور، متسلح بسلاح الصبر وطول البال كمال يقال في العراق.
إذا يحتاج هذا النوع من الشعوب الصابرة والمتحملة للإخفاقات الحكومية المستمرة، الى النظر بعين تختلف عن العيون السابقة، فهو شعب يستحق العيش بكرامة ويستحق ان يتعلم وينهض ويدهر، ويستحق ان نُبعد عنه كل ما يجعله حزين بائس، وإن لم يرى النور كل ما ذُكر فمن المتوقع ان ينفذ الصبر.
اضف تعليق