تعتبر التعدّدية والتنوّع والانتماءات المختلفة سمة مميّزة للنادي، التي يتم التعبير عنها باللعبة العادلة، Fair Play، كما يخضع الأعضاء إلى نظام صارم وبروتوكول للإتيكيت بما فيه المظهر والملبس، ويحتوي النادي على مكتبة ضخمة وقاعات متعدّدة، حيث تُقام فيها الندوات والمؤتمرات في مواضيع فكرية وثقافية وسياسية وديبلوماسية وقانونية وفنية وأدبية ورياضية...

دون يافطة أو إشارة تدلّك على «نادي أكسفورد وكيمبريدج»، فأنت أمام مبنى قديم وأنيق وعريق من وحي المدرسة المعمارية، التي تأثّرت بالفن المعماري اليوناني القديم، وما أن تدخل من البوابة الأمامية الخشبية البنية حتى تشعر حقيقة بشيء من الانضباط والنظام وكأنك ما زلت في عالم الإمبراطورية البريطانية العريقة وحكاياتها الغامضة، ولربما يراودك الشك بأنها لا تزال خلف الأبواب.

وأكسفورد وكيمبريدج ليستا جامعتين عريقتين فحسب، بل هما من أقدم وأعرق الجامعات في العالم، وهما مجمع العقول «تروست الأدمغة»، من داخلهما ومن خارجهما وبالتواصل معهما تُصنع السياسة ويتبارى الفرقاء في تمثيل بريطانيا العظمى، واستناداً للبحث العلمي، وكلّ يدّعي وصلاً بالحق والعدل وحكم القانون، حتى وإن استعمر أمماً ونهب ثروات شعوب وكبح جماح حقّها في تقرير مصيرها بوعود باطلة، لا يزال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنها باهظاً، دون اعتذار أو تعويض عمّا لحقه من غبن وأضرار طيلة ما يزيد عن قرن من الزمان.

يقع نادي النبلاء في «منطقة القصور الملكية»، التي تضمّ قصر سانت جايمس الذي صممه المعماري سير سميرك وهو نفسه الذي صمّم المتحف البريطاني في ساحة راسل بالقرب من جامعة لندن. ثم أضيف إليها قصر باكينغهام الذي جرى تشييده في العام 1703، ولكنه تحوّل إلى بيت الملك جورج الثالث في العام 1762، وتمّ توسيعه لاحقاً، وبناء بيت كلارنس (حيث يسكن الملك تشارلز الثالث وقرينته كاميلا، بينما يدير أعماله الرسمية من باكينغهام) ما بين أعوام 1825 – 1827، وكنيسة الملك في جوارها، وهكذا أصبحت المنطقة وسط لندن تسمّى «منطقة القصور الملكية».

استخدمت العائلة المالكة خططاً وسياسات ووسائل مختلفة لكي تُعيد بسط هيمنتها ونفوذها شعبياً بعد تصدّعها، بسبب الثورة التي ساهمت بعزلها لفترة وجيزة في أعقاب حرب أهلية دامت 10 سنوات (1642 – 1652)، حيث أُعدم فيها الملك تشارلز الأول في 30 يناير 1649، وقام القائد العسكري أوليفل كرومويل بتحويل بريطانيا إلى جمهورية لنحو عقد من الزمان.

ظلّ «نادي النبلاء» (أكسفورد وكيمبريدج)، الذي يقع في منطقة القصور، والذي تأسس في العام 1821، حكراً على الرجال فقط حتى وقت قريب (1996)، وقد تمّ توسيعه في العام 1952، حيث ضمّ المبنى الملكي المجاور له، الذي كانت تسكنه الأميرة ماري لويز حفيدة الملكة فيكتوريا. وظلّت العائلة المالكة تعوّل على المناقشات والمبادرات التي تتم فيه لصنع السياسات وصياغة البرامج عبر حوارات فكرية وثقافية لعدد من الأقطاب ومعظمهم من أعضاء النادي، سواء من خريجيه أو أساتذته .

ما لفت انتباهي وأنا أقرأ هذا التاريخ العريق، أن إحدى الشخصيات الأكاديمية، من أصول عربية فلسطينية، وهو البروفيسور مكرم خوري مخّول، لعب دوراً إيجابياً في التعريف بالقضايا العربية، حيث شغل موقعاً متميّزاً في هذا النادي، وأصبح عضواً في مجلس الإدارة لأربع سنوات، قام خلالها بأنشطة متنوّعة ومختلفة بما يعزّز التنوّع الثقافي وفهم الآخر تمهيداً لتقبّله.

كما أن 52 سفيراً بريطانياً متخصّصاً بشؤون العالم العربي مثل السفير مايلز والسفير سير هارولد ووكر، اجتمعوا عشية الحرب على العراق (2003) التي شنّتها الولايات المتحدة بقيادة جورج دبليو بوش، ليوجهوا رسالة احتجاج إلى رئيس وزراء بريطانيا توني بلير وليعلنوا أن الحرب غير شرعيّة، وليقودوا تحرّكاً دبلوماسياً فريداً ضدّها.

كانت عضوية نادي النبلاء، تضمّ ملكة الدانمارك مارغريت، وملك السويد كارل السادس عشر، وزوج ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، فيليب، والذي هو راعي النادي سابقاً، كما تضمّ ملك بريطانيا الحالي تشارلز الثالث، ومن المفترض أن يكون هو خلفاً لوالده لرعاية النادي.

وتعتبر التعدّدية والتنوّع والانتماءات المختلفة سمة مميّزة للنادي، التي يتم التعبير عنها باللعبة العادلة، Fair Play، كما يخضع الأعضاء إلى نظام صارم وبروتوكول للإتيكيت بما فيه المظهر والملبس. ويحتوي النادي على مكتبة ضخمة وقاعات متعدّدة وصالات متنوّعة للاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، حيث تُقام فيها الندوات والمؤتمرات في مواضيع فكرية وثقافية وسياسية وديبلوماسية وقانونية وفنية وأدبية ورياضية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق