رغم ان هذه الحكومة تشهد مرحلة من الاستقرار لم تمر بها الحكومات السابقة، مع ذلك لا زالت التحديات ماثلة لتصديع هذا الاستقرار، اذ يشكل الفساد المستشري سياسيا اهم هذه التحديات التي تمنع الحكومة من تقديم الخدمات، ورغم ان حكومة السوداني تحاول إبقاء المظالم تحت السيطرة من خلال زيادة الإنفاق...
اعطى انسحاب الصدر فرصة لاستعادة مفاعيل هذا النظام مرة اخرى لأدواته التقليدية القائمة على اساس المحاصصة ومغادرة الثوابت التي تتعكز عليها معظم القوى السياسية بصورة براغماتية، اذا مثلت حكومة الاطار التنسيقي برئاسة السوداني انتصارا على الاحتجاجات التي حصلت في تشرين الاول ٢٠١٩.
رغم ان هذه الحكومة تشهد مرحلة من الاستقرار لم تمر بها الحكومات السابقة، مع ذلك لا زالت التحديات ماثلة لتصديع هذا الاستقرار، اذ يشكل الفساد المستشري سياسيا اهم هذه التحديات التي تمنع الحكومة من تقديم الخدمات، ورغم ان حكومة السوداني تحاول إبقاء المظالم تحت السيطرة من خلال زيادة الإنفاق على الخدمات وتوسع موظفي القطاع العام، لكنها لا تستطيع القيام بذلك إلا طالما ظلت أسعار النفط مرتفعة، وهو أمر سيكون صعبا، اذ قد يؤدي انخفاض الطلب على النفط الى انخفاض اسعاره وسط مخاوف من ركود عالمي، في غضون ذلك، يتزايد عدد سكان العراق وتتضاءل إمداداته المائية، على المدى المنظور، وإذا لم تتحسن الحوكمة والخدمات العامة، فإن مزيج الضغط الديموغرافي والضغوط المناخية ستقوض أي محاولة لاستمرار الاستقرار من خلال الاعتماد فقط على عائدات النفط.
في ذات السياق وفوق كل ذلك، يمر إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق بأشد أزمة سياسية منذ الحرب الأهلية الكردية في منتصف التسعينيات، على الرغم من أن العودة إلى أعمال العنف في تلك الفترة تبدو غير مرجحة، إلا أن العداء المتزايد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية يهدد الاستقرار في الاقليم، كما ان الاخير ستظهر خلافاته مع الحكومة الاتحادية عند تشريع الموازنة حينما لن يلتزم بالاتفاق النفطي الاخير المبرم بينهما ولا ببنود الموازنة والتزاماتها -كما هو معروف- ولن يملك السوداني اي حلول للمواجهة سوى التبرير، ما يعمل على تأجيج الرأي العام ضد الحكومة في ضوء التنازلات المقدمة للإقليم.
ستكون انتخابات مجالس المحافظات القادمة التي من المفترض ان تجرى في ٦ تشرين الثاني من العام الجاري بيضة القبان في تحديد مسارات الاستقرار السياسي في العراق، فبعد اعتكاف الصدر ورفض التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات القائم على اساس معادلة سانت ليغو، لا تؤشر هذه المعطيات ترسيخ الاستقرار بل العكس خاصة اذا ما كانت مخرجات هذه الانتخابات لا تسير وفق مصالح الشعب العراقي التي قد تستغل مرة اخرى صدريا لتوسيع نطاق الاحتجاجات الشعبية ومواجهة انفراد قوى الاطار التنسيقي في التحكم السياسي بمصير المحافظات الشيعية.
ولمواجهة مخاطر عدم الاستقرار لابد من إشراك حكومة السوداني في حوار صريح مع التيار الصدري حول أفضل السبل للعودة الى الحياة السياسية والمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، والاتفاق على متابعة الإصلاح المالي والحوكمة وجعل العراق أقل اعتمادا على الدعم الخارجي، وتحسين ثقة العراقيين في الحكومة من خلال جعلها أكثر قابلية للمساءلة والاستجابة للاحتياجات المحلية، من خلال تشجيع الحوار لدعم المراجعات الدستورية لأحكام المحكمة الاتحادية التي يمكن أن تؤدي إلى تنفيذ أفضل لبنود الدستور، قد تكون هذه العملية مفيدة لإصلاح نظام المحسوبية والمحاصصة والتوازن القلق في النظام السياسي الذي هو مصدر الكثير من المظالم الشعبية.
كما على الحكومة استخدام علاقاتها الجيدة حاليا مع الاكراد للتوسط بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، اللذين يؤدي نزاعهما إلى تعقيد المناقشات مع بغداد حول تقاسم عائدات النفط، كما يترك المنطقة عرضة للتدخل الخارجي.
ايضا لابد من تكثيف الجهود للتخفيف من ندرة المياه الناجمة جزئياً عن تغير المناخ، والعلاقة غير المتكافئة مع تركيا وايران وسوريا في هذا الملف، اذ يؤدي تفاقم ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة والجفاف تعطيل سبل العيش والإضرار بالصحة العامة، ونزوح داخلي، وفي بعض الأحيان نزاعات عنيفة، خاصة مع وجود جماعات مسلحة شبه عسكرية منتشرة في الدولة.
لا يمكن التغلب على أي من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها العراق بسهولة، ولكن على حكومة السوداني تغيير مسارها إذا ما أرادت تأمين مستقبل أفضل للبلاد. اذ طبيعة ممارسة الحكم بطريقة التحدي والتفوق لقوى الاطار التنسيقي وعن طريق المحسوبية مع اعلام تصعيدي في هذا السياق واستنزاف الخزينة العامة للدولة وواردات النفط في مجال السيطرة على المطالب سيعمل على تكريس مسارات عدم الاستقرار مستقبلا، فالبديل: شيوع حالة الصراع الاجتماعي الذي يصل إلى ذروته مؤديا الى اندلاع العنف، كما شهده العراق مرارا وتكرارا على مدار السنوات القليلة الماضية، لكن هذه المرة سيكون بشكل متزايد.
اضف تعليق