لم تكن الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي دخلت عامها الثاني في شباط 2023، محصورة في نطاق البلدين، بل امتدّت إلى مجمل بلدان أوروبا، وإلى جميع أنحاء العالم بشكل عام، وإن كانت تأثيراتها بدرجات متفاوتة. ويمكن القول إن هذه الحرب هي أخطر وأعقد حرب شهدتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإلى اليوم...
لم تكن الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي دخلت عامها الثاني في شباط / فبراير 2023، محصورة في نطاق البلدين، بل امتدّت إلى مجمل بلدان أوروبا، وإلى جميع أنحاء العالم بشكل عام، وإن كانت تأثيراتها بدرجات متفاوتة. ويمكن القول إن هذه الحرب هي أخطر وأعقد حرب شهدتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإلى اليوم.
وعلى الرغم من سباق التسلّح الذي شهده المعسكران، الشيوعي والرأسمالي، في الحرب الباردة 1946 - 1989، إلا أن توازن القوى كان محسوباً على نحو دقيق، على الرغم من حدّة التوترات أحياناً، لا سيما بعد الحرب الكورية 1950- 1953، وأزمة البحر الكاريبي عام 1962، وإثر اجتياح الدبابات السوفييتية المجر عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968. كما شهد العالم نحو 70 حرباً محدودة، أو بالوكالة، أطولها حرب أمريكا في فيتنام والتي انتهت بهزيمتها عام 1975.
وبانهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، كانت مهّدت لها سياسة «الوفاق»، حيث بدأ القضم التدريجي وسياسة التغلغل الناعم، وفقاً لنظرية بناء الجسور التي تبلورت في عهد الرئيس جون كينيدي، والتي قال عنها الرئيس جونسون: إنها جسور ستعبرها البضائع والسلع والسيّاح ونمط الحياة الأمريكي لاختراق الكتلة الاشتراكية من داخلها.
وكان الوجه الآخر لسياسة التغلغل الناعم، هو برنامج حرب النجوم عام 1983، حيث خصّصت له واشنطن تريليوني دولار. ولم يكن بإمكان موسكو مجاراتها في ذلك، الأمر الذي أدّى إلى تراجعها أمام القوّة الأمريكية المزدوجة، إضافة إلى طبيعة النظام الشمولي، والأزمة الاقتصادية الخانقة، وشحّ الحريّات.
لم نسمع، منذ ما يزيد عن ثلاثة أرباع القرن، عن نيّة ألمانيا واليابان، المهزومتين في الحرب الكونية الثانية، زيادة التسلّح وتقوية جيشيهما، إلّا بعد الحرب الروسية - الأوكرانية. ولم تلجأ السويد وفنلندا اللتان بقيتا محايدتين، للانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، إلا حين توسعت رقعة الحرب.
وحتى اليوم، لا أحد يستطيع تقديم إحصاءات دقيقة عن الخسائر التي تعرّضت لها كييف وموسكو، فضلاً عن خسائر أوروبا، خصوصاً وقد تزامنت هذه الحرب مع معاناة العالم من جائحة كورونا التي أدّت إلى ركود غير مسبوق.
وتعاني أوروبا اليوم، اضطراب الملاحة البحرية والجوية، إضافة إلى تدفق ملايين اللاجئين الأوكرانيين، خصوصاً على أوروبا الشرقية، بعد موجة اللجوء السورية. واتجهت العديد من البلدان إلى سياسة التقشف والتشدد في السياسة النقدية من جانب البنوك الفيدرالية والمركزية، ثم تفجّرت أزمة الدين العام، لا سيما الخارجي، إثر ارتفاع سعر الفائدة بالنسبة للدولار، على الرغم من ملاحظات وتحفّظات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأقدمت الدول الغربية المؤيدة لأوكرانيا على فرض عقوبات على روسيا وحليفاتها، مثل بيلاروسيا، خصوصاً بفرض نظام المدفوعات «سويفت - SWIFT» الخاص بالتعامل الخارجي لمنع دول «البريكس» من التفلّت من التعامل بالدولار الأمريكي، الأمر الذي أثّر في تصدير النفط والحبوب الروسية. وقد اضطرت موسكو اللجوء إلى أطراف ثالثة، مثل تركيا والهند، لبيع منتجاتها، في ظلّ غضّ نظر دولي للتخفيف من آثار الأزمة العالمية.
واعتُبرت زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى موسكو مؤخراً، بمثابة خطوة لتعزيز العلاقات بين البلدين، والأمر لا يتعلق بأوكرانيا فحسب، بل أن قضية تايوان والمنافسة الاقتصادية مع واشنطن، كانتا شغلاً شاغلاً للصين. وكانت الهند، كقوّة مؤسسة للبريكس مع الصين وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، هي الأخرى أقرب إلى موسكو منها إلى الدول الغربية المؤيدة لتسليح أوكرانيا وإنزال عقوبات بروسيا بعد الصين.
وحتى اليوم لا أحد يستطيع التكهّن بموعد انتهاء الحرب، وماذا ستكون النتائج، وما هي الأزمات الاقتصادية والتحديات التي ستشهدها أوروبا، والعالم.. فالقوات الروسية لا تزال تسيطر على 20 % من أراضي أوكرانيا، وقبل ذلك كانت «استعادت» شبه جزيرة القرم في عام 2014، التي تقول عنها إنها تعود إليها، وإن خروتشوف الزعيم السوفييتي، أهداها في عام 1956 إلى أوكرانيا، التي كانت حينذاك جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد السوفييتي، خصوصاً بوجود أغلبية روسية فيها.
وبغضّ النظر عن مآلات الحرب والتسليح الغربي، فإن نقل أسلحة نووية على الحدود البيلاروسية، وتهديد الرئيس بوتين باستخدامها على نحو محدود وتكتيكي، يعتبر أحد أهم المخاطر التي تواجه احتمالات توسيع دائرة الحرب والتأثير في اقتصاديات بلدان أوروبا، خصوصاً التوجّه إلى الصناعة العسكرية.
اضف تعليق