نرى أن إعادة الروح لمجالس المحافظات سيئة الصيت هي محاولة من الاحزاب الفاشلة والفاسدة لإحكام قبضتها على السلطة وعلى التخصيصات المالية، اكثر من اي هدف آخر، وان التحجج بدستوريتها عذر غير مقبول، كون الكثير من مواد الدستور غير مفعّلة، والحديث اليوم يعلو من قبل جهات عدة تطالب بتعديله...
الذي يقرأ دستور 2005 بدقة يصل إلى نتيجة مؤكدة، هي أن المواد الرئيسة فيه والتي تقوم عليها الدولة، صممت لتقوّض الدولة! وكان هذا مدروسا بعناية لتحقيق هدف الاحتلال الستراتيجي المتمثل بتقسيم العراق.. ومن بين تلك المواد ما يتعلق بمجالس المحافظات وصلاحياتها ودورها في العمل السياسي، اذ ينص الدستور على أن اي مجلس محافظة اذا ما صوّت بالأغلبية لجعل المحافظة إقليما أو لكي تتحد مع محافظات اخرى لتشكيل اقليم، فان قرار المجلس يصبح ملزما للتنفيذ من قبل السلطات الاتحادية التي عليها ان تكمل الاجراءات الشكلية الاخرى.. وأنقل هنا بالمعنى وليس بالنص.. ومن هنا جاءت اهميتها مثلما جاء تصميمها لتكون رافعة لمشروع مستقبلي تم رسمه في الغرف الدولية المظلمة!
بشهادة كل العراقيين وليس اغلبهم، أن مجالس المحافظات كانت عبئا على نشاط المحافظات واداة ضغط على المحافظين وميدانا للصراع على المغانم بين القوى الماسكة لها، ما جعلها اداة لتعطيل التنمية، على الرغم من الاموال الضخمة التي صرفت للمحافظات، حتى باتت مسألة الاستغناء عنها مطلبا شعبيا، وعندما تحقق هذا بعد ثورة تشرين، تنفست اغلب المحافظات الصعداء وشهدنا مشاريع تنموية وإن كانت خجولة، بسبب مصادفة ذلك مع الوضع الاقتصادي الصعب المعروف الذي مرّ به العراق قبل عامين.
لقد كنت في زيارة لإحدى المحافظات الكبيرة ضمن وفد ثقافي والتقينا المحافظ، بعد أن تجولنا في المحافظة أو مركزها قبل لقائه، وافرحنا كثيرا وجود حركة بناء ومشاريع خدمية مختلفة، وحين عبّرنا عن فرحتنا بذلك، قال المحافظ وهو صادق تماما؛ لو ان مجلس المحافظة موجود لما أبقوني في موقعي! وقد صدّقت ذلك، لان الجهات المتصارعة على الامساك بالمحافظة ترى ان تحقيق المحافظ الذي ينتمي لجهة أو حزب أو مستقل حتى، لإنجازات سيكون مدخلا لإعادة انتخابه مرة اخرى على حسابهم وهذا لا يمكن قبوله أو السماح به، ما يدفعهم لإعاقة اي مشروع يخدم الناس، فضلا على تقاسم الاموال المخصصة للمحافظات بين الاحزاب، تحت غطاء المشاريع الوهمية، والاّ أين ذهبت الاموال الطائلة التي صرفت لنحو عشرين عاما؟
نرى أن إعادة الروح لمجالس المحافظات (سيئة الصيت) هي محاولة من الاحزاب الفاشلة والفاسدة لإحكام قبضتها على السلطة وعلى التخصيصات المالية، اكثر من اي هدف آخر، وان التحجج بدستوريتها عذر غير مقبول، كون الكثير من مواد الدستور غير مفعّلة، والحديث اليوم يعلو من قبل جهات عدة تطالب بتعديله، ويرى أغلب المتابعين، ان فيه من الالغام والكوارث ما يهدد وحدة البلاد واعاقة لملمتها بعد الذي حصل، لا سيما أن بوادر التعافي اخذت تدب في البلاد، لكنها ستتعرض إلى نكسة كبيرة اذا ما عادت مجالس المحافظات وعادت معها البيروقراطية والفساد.
اضف تعليق