لقد اثبتت التجارب أن الوقوف على التل لا يعني السلامة دائما، لأنك في النتيجة وسط عواصف هذا العالم الذي بات يصغر كل يوم بقوة التقنيات الحديثة، مدنيا وعسكريا، بينما تزداد مشكلاته وتتعدد فيه اسباب الفرقة بين الشعوب، تحت ضغط مصالح ومطالح الكبار ممن يتحكمون باللعبة السياسية الدولية ويوجهون بوصلتها بالاتجاه الذي يرونه مناسبا لهم...
لعل اهم وابرز الأسباب التي أوصلت العرب إلى ما هم عليه اليوم من ضعف، أغرى الكثير من الذئاب الاقليمية والدولية، في التكالب عليهم، هو اختلافهم المستمر في كيفية معالجة مشكلاتهم، وإن كانت بسيطة، وعدم ايجادهم مشتركات توحدهم أو توحد رؤيتهم في التصدي لها... لم يوحد العرب رؤيتهم في التعامل مع القضية الفلسطينية، وكانوا منقسمين بحدة، بين من يرفع شعار الحل العسكري من دون استراتيجية واقعية تستحضر عمق (اسرائيل) اللوجستي المتمثل بالغرب واميركا وغيرهما من مؤيديها.
علما بانهم لو توحدوا جميعا بصدق خلف هذا الشعار، لجعلوا اسرائيل تعيد النظر في الكثير من سياساتها التوسعية، لكن هذا لم يحصل.. وبين من يرفع شعار التسوية السلمية من دون تفعيل ممكنات القوة الناعمة لديه بالشكل المطلوب في سياق الحل المفترض.. وايضا لو توحدوا جميعا بصدق خلف هذا الشعار، لأحرجوا العالم كي يضغط على اسرائيل لإيجاد صيغة حل واقعية، لكن هذا لم يحصل كذلك.. وهكذا أصبحوا جميعا ضعفاء ودفعوا الثمن لاحقا.
اليوم، يعيش العالم ارهاصات واقع دولي جديد، اخذت ملامحه تتضح بعد حرب أوكرانيا، وانقسام العالم بشأن التعامل مع اطرافها، وحتى الان لم نشهد موقفا عربيا موحدا وواضحا من هذه المسألة، مع أن البعض يرى الاعلان عن ذلك الآن يعد مبكرا، لأن الحرب لم تحسم بعد، والخارطة الجيوسياسية الجديدة ما زالت ملامحها تحتجب وراء دخانها، لكننا صرنا نسمع من البعض اشهار موقفه المؤيد بقوة لروسيا بينما يعلن البعض الاخر موقفا مختلفا تماما، وهناك من لا يعبّر عن أي موقف.
بمعنى أن العرب يجب ان يكون لهم موقف اخلاقي موحّد من الحرب ويدعون جميعا إلى ايقافها، مع احتفاظهم بموقف سياسي يعبر عن رؤيتهم الموحدة في الوقت نفسه، وان يكون هذا من خلال مؤتمرات القمة العربية أو غيرها، لكي يكون لصوتهم ثقله المؤثر في المشهد السياسي الدولي ويحسب له حسابه في العالم، لا سيما اذا ما رافقته اجراءات عملية، فالعرب يمتلكون اكبر خزان للطاقة في العالم وموقع جيوسياسي مهم جدا.
لقد اثبتت التجارب أن الوقوف على التل لا يعني السلامة دائما، لأنك في النتيجة وسط عواصف هذا العالم الذي بات يصغر كل يوم بقوة التقنيات الحديثة، مدنيا وعسكريا، بينما تزداد مشكلاته وتتعدد فيه اسباب الفرقة بين الشعوب، تحت ضغط مصالح ومطالح الكبار ممن يتحكمون باللعبة السياسية الدولية ويوجهون بوصلتها بالاتجاه الذي يرونه مناسبا لهم، وأن الدول الاخرى ترصد هذا الحراك وتتعامل مع معطياته وتكيّف مواقفها وفقا لمصالحها هي ايضا.
وهناك مسألة اخرى مهمة جدا، وهي أن مثل هذه المنعطفات الكبيرة في تاريخ العالم، تمثل فرصا لبعض الدول لتضاعف وزنها سياسيا واقتصاديا من خلال التعامل الذكي مع الازمات بما يجعل الاخرين يتهافتون عليها فتغدو مؤثرة سياسيا واقتصاديا معا.
لكن الذي يحصل مع العرب وباستمرار هو العكس، نتيجة لمحاولة بعض الانظمة العربية الاستقواء على بعضها، والانخراط في محاور ومشاريع إقليمية أو دولية طوباوية لا تخدم مصالح بلدانها، بل تسببت بكثرة الثقوب في الجسد العربي، ما أغرى الآخرين فتسللوا منها بمشاريعهم هم ليحققوا ما يريدون على حساب تطلعات الشعوب العربية ومستقبلها، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، كان آخرها لعبة (الربيع العربي)، وكم الاموال العربية التي سفحت والطاقات التي هدرت والكفاءات التي هاجرت، بالإضافة إلى ضياع الزمن الذي لن يعوض وخراب اقتصاديات البلدان التي باتت اليوم شبه مشلولة.. ترى هل يستحضر العرب كل هذه السلسلة من الاخفاقات، لينضجوا واقعا سياسيا مختلفا، بالاستفادة من التجارب؟... ننتظر ونرى!
اضف تعليق