منذ عشرين عاما ونحن نتفرج على توسع مناطق (الحواسم)، أي تجاوز المواطنين على املاك الدولة التي شيد عليها الأهالي بيوتا لتصبح مناطق سكنية كبيرة شوهت عشوائيتها جميع محافظاتنا، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حسم هذه التجاوزات، وعندما ندعو الى رفعها، قيل ان سكنتها من الطبقات الفقيرة ولا تملك مكانا تأوي اليه...
ألقيت عليه السلام من نافذة سيارتي تقديرا لما يقوم به من جهد مروري مخلص في تنظيم السير في تقاطع مكتظ بالمركبات، ولقربه من نافذة السيارة والتقاء عينيي بعينيه، رد علّي السلام، لكنه سرعان ما طالبني بإجازة السوق وسنوية السيارة، ابتسمت بوجهه، وسلمته ما يُريد، نظر فيهما ثم قال: تفضل واصل مسيرك، لقد ظن رجل المرور ان سلامي عليه لم يأت لوجه الله، او احتراما لموظف يعمل من أجل سلامتنا وتطبيق النظام، بل تصور اني أغطي بالسلام على مخالفة معينة كعدم تجديد السنوية او عدم امتلاكي إجازة سوق، حرام أن يصل فقدان الثقة حتى بالسلام.
لم أشأ الدخول معه في عتب انساني، او ان أظهر له حجم التناقضات في عملهم المروري، ففي هذه الأثناء كانت أعداد كبيرة من عجلات التكتك والستوتات والدراجات النارية تجوب المكان الذي نحن فيه دون أن يوقفهم، مع ان غالبية هذه العجلات يقودها أطفال بعضهم دون سن الخامسة عشر، لا يملكون الأوراق الاصولية لعجلاتهم، وغير ملتزمين بمبادئ وأخلاق السياقة، بل لا يعرفون هذه المبادئ، ولذلك كثرت الحوادث، وابتلى سواق السيارات على أعمارهم، لا أحد يستجيب لمناشداتهم وشكواهم من ان شوارعنا وبسبب هذه العجلات صارت في غاية الخطورة، ناهيك عن الجانب الحضاري الذي ما عدنا نتحدث عنه، ويبررون لهذه الظاهرة بأن هؤلاء الأطفال يكدون على عوائلهم، وهذه مهنة تفتح بابا لشباب عاطل تتزايد أعدادهم يوما بعد آخر وغيرها من الأعذار، وطالما الأمر كذلك، فلا أظن من الانصاف محاسبة سواق السيارات على عدم تجديد سنوية مركباتهم او اجازة السوق، وبهذه التناقضات يخرب الوطن.
وعلى شاكلة هذا الأمر ما تفعله توصيات مديريات التربية والجامعات أثناء الامتحانات بالتأكيد على ضرورة مراعاة الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها الطلبة، وعدم الضغط عليهم، فأوضاع البلاد غير مستقرة وأزماتها متلاحقة، والسؤال: ما المقصود بهذه التوصيات؟، لقد فُهمت من الجهات المقصودة وملاكاتها التدريسية بمعنى التساهل وتخفيف اليد أثناء تصحيح الدفاتر الامتحانية، وتمرير الطلبة الى المراحل الدراسية اللاحقة حتى وان كانت مستوياتهم العلمية لا تستحق ذلك، ونظام الأدوار الامتحانية الثلاثة الذي طبق سابقا، وارجاع المرقنة قيودهم الى مقاعد الدراسة، يؤكد هذا المعنى، بل يمكن القول دون تردد: ان الرسوب يكاد يكون معدوما الا لمن تغيب عن أداء الامتحان، انظروا الى نسب الراسبين، أليس بهذه الطريقة يتهدم الوطن؟
منذ عشرين عاما ونحن نتفرج على توسع مناطق (الحواسم)، أي تجاوز المواطنين على املاك الدولة التي شيد عليها الأهالي بيوتا لتصبح مناطق سكنية كبيرة شوهت عشوائيتها جميع محافظاتنا، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حسم هذه التجاوزات، وعندما ندعو الى رفعها، قيل ان سكنتها من الطبقات الفقيرة ولا تملك مكانا تأوي اليه، فاذا كان وضعهم كما يصفه السياسيون المعترضون على اتخاذ اجراءات بشأنهم، فلماذا لم يجدوا حلا واقعيا لهذه المشكلة، فالوقت الذي مضى كاف لمحاسبة المتجاوزين الذين يملكون سكنا، وتخصيص اراض للمستحقين بصورة قانونية، أليس بقاء الحال تشويه للمدن، وتعزيز لفكرة (الحواسم).
ألا يعد تخريبا عدم استثمار المساحات الفارغة العائدة للمشاتل التابعة لمديريات الزراعة والبلديات، ومن الخزي تحّول محيط المشاتل الى مكبات للنفايات، ومقترباتها هي الأسوأ بين أمكنة المدينة، وهي المعنية بتجميل المدن، وتزويد المواطنين بالشتلات التي يحتاجونها، هذا المفترض، لكن الواقع يؤكد عدم مبادرة الكثير من اداراتها لسقي الأشجار القريبة من مشاتلها، بالمقابل تدعو المواطنين الى الاهتمام بالحدائق المنزلية وتوسيع المناطق الخضراء في الأماكن المتاحة تجميلا للمدن وحفاظا على البيئة، ما هذا الكلام الذي لا معنى له، كثيرة هي مظاهر تخريب الوطن، ويتعذر احصاؤها، وأكثرها خطورة انتهاك النظام من المسؤولين عن تطبيق النظام.
اضف تعليق