انا محبط... غالبا ما تستمع الى هذه العبارة واخواتها تتجول بين مختلف طبقات المجتمع العراقي... كثرة المشاكل التي عانى منها كبار السن في الماضي، توارثها شباب اليوم، لكن بشكل مضاعف هذه المرة، بعد ان زاد اليها الإرهاب، غياب النظام العام واحترام القانون، الفساد السياسي، (بشقيه المالي والإداري)، ارض محتله، موجات النزوح، تردي الخدمات، ضعف الاقتصاد...الخ، نكهة أخرى.
لا أحد يستطيع التكهن بمستقبل العراق او المنطقة في هذا الوقت الحرج... البعض طرح سيناريوهات متشائمة، تراوحت بين التقسيم والانقلاب، (عبر عنه مجازا ببيان رقم واحد)، اخرون تحدوا عن إمكانية عودة القوات الامريكية والبريطانية لاحتلال البلد مجددا، ربما للحد من انهيار الدولة العراقية ومؤسساتها، والحجة طبعا "مكافحة الإرهاب في العراق".
الإصلاحات الحكومية التي أطلقها العبادي هي الأخرى لم تسلم من التجريح والتشكيك... سيل من الانتقادات والاحباط يشعرك بان نهاية النفق مغلقة بصخرة كبيرة، (ربما تشبه صخرة "عبعوب" ذائعة الصيت) ... حتى ان البعض بدء يشكك في جدية التظاهرات ومدى قوتها في تحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، بل وصل التشكيك الى حزم الإصلاح الأولى والثانية للسيد العبادي، وانها مجرد حبر على ورق، امام غول الفساد و(الدولة العميقة) التي احكمت قبضتها على الاقتصاد العراقي، عبر مافيات الفساد وشركات غسيل الأموال... والمفارقة الطريفة ما عبر عنه احد خبراء الاقتصاد بالقول ان من يدير الاقتصاد العراقي هم "مافيات الفساد" وليس الدولة العراقية... ربما هذه سابقة تحسب لبلدنا على صعيد العالم!.
الاقتصاد الريعي في العراق يعتمد على "النفط" كمصدر وحيد للثروة... تماما كاعتماد قادتنا على "الدستور" كمصدر وحيد للتشريع، والفرق بين الاثنين ان سعر الأول يتحكم به السوق العالمي، فيما يحافظ الثاني على تماسكه حتى اللحظة... ولان أسعار النفط تهاوت نحو القاع، فالبلد امام مشكلة اقتصادية حقيقية تكلم الكثيرون عن اخطارها... ولم يتكلم أحد عن دفع بلائها.
اما الإرهاب والخلافات السياسية والحرب مع تنظيم داعش وتردي الخدمات... فهي أوسع من احتوائها بسطور، ويكفي لذلك، ما ينشر على مدار الساعة في وسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، لتعرف معنى (الإحباط) الذي يمر به المواطن العراقي.
ربما أحد نتائج، كل ما تقدم، الهروب من البلد نحو المصير المجهول الذي ينتظر المهاجرين في طريق طويل يمتد من شمال العراق الى تركيا فاليونان وقبرص ومقدونيا وصربيا والمجر، وصولا الى المانيا او فرنسا او احدى الدول الاوربية الأخرى التي قد تتعاطف مع المعدمين، هذا ان تمكن هذا المهاجر العراقي من الوصول الى بلد المهجر (قطعة واحدة)، ولم يترك في عرض البحر ليغرق او في شاحنة ليموت خنقا، او حتى الموت وحيدا في غابات اوربا من البرد، سيما ونحن على أبواب الشتاء القارص، (بالنسبة لهم لا لنا).
انا متأكد ان هذا (الإحباط العراقي)، لم يأتي دفعة واحدة، وانما عبر سلسلة من الصدمات الاحباطات المتراكمة، ونقطة الانفجار كانت هي الهروب نحو المجهول، املا في مصير أفضل مما هو عليه اليوم.
البعض ايد الهجرة، (ارض الله واسعة)، والبعض عارضها، (التعرب بعد الهجرة)، ولكلا الرأيين حجج وبراهين، لا شأن لي بهما، انما يعنيني... من أوصل البلد الى حافة الانهيار؟ ولماذا؟
النخب السياسية، والأحزاب التي جملت صورهم القبيحة... هؤلاء الفاشلون، الفاسدون، هم المسؤولون عما حدث وما سيحدث من فشل وانتكاسة لحاضر العراق ومستقبلة، وكل السيناريوهات المشؤومة، المتوقعة لمستقبله، حتى الإصلاحات المقترحة جاءت فاشلة وعلى مقاس الفاشلين، والتي لن يطبق منها الا اللمم، وانا على يقين ان الامر لا يعنيهم في شيء، ما داموا في مأمن عن العقاب، فعند هبوب اول عاصفة او نذير بالشؤم، ستحزم حقائب السفر ويرحل كل عضو منهم الى بلده وعائلته... وطبعا عقاراته واستثماراته.
اضف تعليق