سياسة التصميت التي تتبعها اغلب الكتل مع النوائب الحريصين على مصلحة الشعب، لم تكن جديدة عهد، فقد تعرض العديد من هذه النماذج الى المحاربة واسندت اليها التهم والتلفيق ومن ثم توجيه دعاوى قضائية ضدهم واجبارهم على الهروب خارج البلاد، او الذهاب الى كردستان الذي أصبح منفى محلي للكثير من القيادات السياسية في البلد....
325 هو عدد أعضاء مجلس النواب العراقي الذين صوت عليهم الشعب وحملهم الأمانة في الدفاع عن حقوقهم وتقديم يد المعونة لهم عبر إقرار القرارات التي تخدمهم والوقوف بوجه الجهات التي لا تريد الخير لهم، اما العدد الحقيقي للنواب عن الشعب قد لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وهنا يمكن ان نسمي النواب البقية بالنائبين الصامتين او الغائبين.
في كل دورة انتخابية يبرز للساحة عدد قليل من النواب، وهذا العدد نفسه يتصدى الى الكثير من القضايا التي تهم شرائح المواطنين، وهو أيضا من يدافع عن حقوق الاجراء والعقود في دوائر الدولة، وهو من يشدد في مداخلاته اليومية على أهمية احتواء الخريجين وتعينهم بالأماكن الخاصة بهم خدمة للصالح العام.
بينما البقية وهي الأغلبية اكتفت بتناول الشاي والمشروبات الساخنة الأخرى في كافتيريا مجلس النواب، وربما فضلوا الانشغال في غيرها من الاعمال خارج مبنى المجلس، متناسين الآلاف الذين كلفوهم بالدفاع عنهم وتمثيلهم التمثيل الصحيح الذي يضمن جلب الحقوق وعدم التفريط بالمصلحة العليا للبلد.
تحول النائب الى نائب صامت يرجع الى مجموعة من العوامل:
أولها قد يكون النائب التمس من حركة الكتل البرلمانية الكبرى انه لا يتمكن من مقاومة الموج الهادر من الاتفاقات الحاصلة بين الأحزاب، وان أي تحرك من طرفه قد يعرضه الى خلق المزيد من الأعداء وبالنتيجة يكون في مرمى النيران من الشخصيات التابعة لهذه الكتل، ويخضع الى عملية تسقيط كبيرة تنهي مستقبله السياسي وتشوه سمعته الوطنية.
وثاني هذه العوامل، هو ان الكثير من النواب اتخذ من الشعارات والوعود أيام حملته الانتخابية، جسرا يصل من خلاله الى كرسي البرلمان الوثير الذي أعطاه الحصانة الدبلوماسية وجعله مواطن من الدرجة الأولى بنظر عامة الشعب التي تزداد معانتها يوم بعد آخر، وربما تحاول لقاء هذا النائب ويصعب عليها ذلك بفعل الانشغال المدروس والتبرير الكاذب من قبل الحاشية.
وهنالك عامل ثالث ربما هو الأكثر تأثيرا وفاعلية لتحويل النواب من صارخين مطالبين بالحقوق الى صامتين، اذ يتمثل هذا الشيء بجعل النائب أحد أعضاء لجنة برلمانية، يمنعه عمله في تلك اللجنة من التصدي الى الملفات الحساسة التي تعكر الأجواء السياسية والاستقرار البرلماني.
وبعد ذلك تسير الأمور داخل مبنى البرلمان بهدوء كبير بعد اسكات الأصوات العالية من قبل النواب المشاكسين، الذين يبحثون في الملفات المعقدة، ويؤدون دورهم النيابي في تشخيص الأخطاء والفات النظر اليها بما يحقق التصويب العام لبعض الانحرافات التي تصدر من هنا وهناك.
من يراقب النهج الحكومي في الفترات الماضية والحالية يعرف مؤكدا انها اتجهت الى التهدئة وعدم إثارة الخلافات كجزء من خطتها في مواصلة العمل الذي تريد عبره اثبات وجودها وإنجاز جزء من البرنامج الذي وضعته على الطاولة امام الشعب ولا تريد التخلي عن مسؤوليتها بعدم الإيفاء بالوعود.
سياسة التصميت التي تتبعها اغلب الكتل مع النوائب الحريصين على مصلحة الشعب، لم تكن جديدة عهد، فقد تعرض العديد من هذه النماذج الى المحاربة واسندت اليها التهم والتلفيق ومن ثم توجيه دعاوى قضائية ضدهم واجبارهم على الهروب خارج البلاد، او الذهاب الى إقليم كردستان الذي أصبح منفى محلي للكثير من القيادات السياسية في البلد.
ومن يحاول الخروج عن حالة الصمت ينشغل بالقضايا الهامشية التي لا تقدم وتؤخر، وبهذه الحالة تنتهي الدورة الانتخابية، وتنقضي الفصول التشريعية دون ان يسجل اسمه ضمن قائمة نواب الشعب الصادقين مع ناخبيهم الموفون بوعودهم.
عندما تكن نائبا في البرلمان العراقي ذلك جميل جدا من الناحية المعنوية، لكن هذا الجمال يختفي عندما تتحول الى آلة تحركها القوى البشرية، عاطلة عن العمل في الكثير من الأحيان، صامتة عن إصدار الأصوات في أحيان أخرى، وفي كلتا الحالتين خطأ جسيم قد يحرم هذا النوع من النواب من العودة مجددا والجلوس على الكرسي الجميل داخل قبة البرلمان.
اضف تعليق