q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

عن خليجي (٢٥)

هُنا العِراق فيهِ النَّجف الأَشرف وكربلاء المُقدَّسة والكوفة وسامرَّاء وبغداد وأَربيل والبصرة والمَوصِل وكركُوك وبابل والناصريَّة، وما تحكي كُلَّ واحدةٍ من هذهِ الأَسماء من رمزيَّة تغورُ في أَعماقِ التَّاريخ والحَضارة والمدنيَّة. كُلُّ ذلكَ وأَكثر وأَكثر وأَكثر ولكن... فلماذا، إِذن، يتواجد في بُلدان المهجَر، وبالإِتِّجاهات الأَربعة، ملايين العراقييِّن عاجزُونَ...

نعم هُنا العراق، كما صدحَ بذلك، وبصوتهِ العراقي الجَهوَري الأَصيل، الفنَّان العراقي الأَشهر والأَلمع الأُستاذ جَواد الشَّكرجي، في حفلِ افتتاحِ [خليجي (٢٥)] في مدينةِ البصرة الفيحاء، ثغرُ العراق الباسِم!.

نعم هُنا العِراق، هُنا الحَضارة، هُنا التَّعليم، هُنا القانُون، هُنا النَّزاهة، هُنا مصدر الغِذاء والإِطعام الأَوَّل للعالَم، هُنا المنبع الذي علَّم البشريَّة عِلم الحرف والقانُون والسَّقي والزِّراعة والصِّناعة والوصفة الطبيَّة والكيمياء والفيزياء والفلَك والطِّب والنِّظام، وعلُوم الفِقه والأُصول والكلام والمدارس الفكريَّة العقليَّة والنقليَّة، والخط العربي بكُلِّ أَنواعهِ!.

هُنا العراق منبع الكرَم والشَّجاعة والإِباء والتنوُّع والتَّعايُش!.

هُنا العِراق فيهِ النَّجف الأَشرف وكربلاء المُقدَّسة والكوفة وسامرَّاء وبغداد وأَربيل والبصرة والمَوصِل وكركُوك وبابل والناصريَّة، وما تحكي كُلَّ واحدةٍ من هذهِ الأَسماء من رمزيَّة تغورُ في أَعماقِ التَّاريخ والحَضارة والمدنيَّة.

كُلُّ ذلكَ وأَكثر وأَكثر وأَكثر

ولكن…

فلماذا، إِذن، يتواجد في بُلدان المهجَر، وبالإِتِّجاهات الأَربعة، ملايين العراقييِّن عاجزُونَ عن العَودةِ إِلى بلدهِم ليُساهمُوا في إِعادةِ بنائهِ؟!.

لماذا يوجد في العِراق [١٠] ملايين أُمِّي لا يقرأ ولا يكتُب؟!.

لماذا يوجد في العِراق ملايين العاطلينَ عن العمل وجلُّهم من حمَلةِ الشَّهادات العُليا وفيهِم [٤٠٠ أَلف مُهندِس]؟!.

لماذا يعيش ملايين العراقيِّين في العشوائيَّات؟! وأَنَّ الملايين منهُم، وجُلُّهم نساء وأَطفال وعجَزَة يجدُونَ لُقمةِ عيشهِم في المزابِل أَو في تقاطُعات الشَّوارع عندَ إِشارات المرُور؟!.

لماذا انعدمَت الزِّراعة في العراق وكُلُّ ما يتعلَّق بها من نظُم السَّقي والسُّدود وخزَّانات المياه وغيرَ ذلك؟!.

لماذا يستورِد العِراق لُقمة عيشهِ من الخارِج؟!.

لماذا يحصل العراق على المرتبةِ [١٥٧] بمُؤَشِّر الأَمان العالمي بعدَ السُّودان والصُّومال؟!.

لِماذا يتصدَّر عِراق القانُون والإِنتاج والجديَّة والمُثابرةِ والإِنجازات الحضاريَّة التاريخيَّة العظيمة [(٥) حضارات في تاريخ بلادِ الرَّافدين] دُول العالَم بالفَساد والبطالة المُقنَّعة [مُعدَّل عمل الموظَّف (١٧) دقيقة فقط في اليَومِ الواحد].

لِماذا لا يمتلك أَبناءنا وفلذَة أَكبادنا مدارس ورحلات ولَوحات وكُتب ودفاتِر تكفي لاستيعابهِم؟!.

لماذا يعجز العراق عن حمايةِ سيادتهِ؟! وهوَ الذي كانَ يتمدَّد على دُول الجوار، برِضاها، ليحمِيها من غزَواتِ الأَجانِب القاتِلة؟!.

للأَسفِ الشَّديد فلقد أَصبحَ [عِراقنا التَّاريخي العظيم] مصداقٌ لقَولِ الله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}!.

وأَبيات الشِّعر المنسُوبةِ لإِمامِ البلاغةِ أَميرُ المُؤمنينَ (ع)؛

كُن إِبنُ مَن شِئتَ واكتسِب أَدباً---يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ!

‏ فليسَ يُغني الحســــيبُ نسبتَهُ---بِلا لسانٍ لــــــــــهُ ولا أَدبٍ!

‏ إِنَّ الفتى مَن يقولُ هــــــا أَنا ذا---ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي!

والآن؛ هل تعتقِدُونَ بأَنَّنا أَقنعنا العالَم بأَنَّنا كُنَّا كذلكَ وحالنا اليَوم لا يسرُّ صديقٌ؟!.

أَينَ الخطأ؟! في التَّاريخ أَم في الحاضِر؟!.

كُلُّ أَملي في أَن يكُونَ [خليجي (٢٥)] الذي استحضرَ تاريخنا العظيم، حافِزاً لكُلِّ عراقيٍّ أَن ينهضَ بهِ من جديدٍ فينفُضَ عن نفسهِ غُبارَ السِّنين ليكُونَ العِراق اليَوم كما كانَ العِراق بالأَمسِ، ويكونُ عِراق التَّاريخ هو عِراق الحاضِر، فنردِمُ الفجوةَ بين الماضي والحاضر، وبينَ الحاضِر والمُستقبل.

اضف تعليق