q

فبعدَ عَشرةِ اعوامٍ من الوعود الخلّابة الكاذبة التي لم ينفّذون منها شيئاً، لن يقتنع الشّارع بأيِّ وعدٍ جديدٍ ما لم يلمسهُ انجازاً حقيقياً يمشي على الارض.

حتّى التّاجر في السّوق يبدأ نشاطهُ التّجاري معتمداً على ثقة زملائه باعتبارهِ المُكتسب بالتّجربة، فاذا اخلّ به فقدَ ثقتهم ليعتمد على انجازهِ فقط من دونِ ايّ اعتبارٍ مسبق، فما بالكَ بالسياسييّن عندما يدمّرون كلّ جسور الثّقة مع الشّعب بكمٍّ هائلٍ من الاكاذيب والشعارات والوعود حتّى سُمّيَ العراق بدولة (السّين والسّوفَ)؟!.

فبعد اكثر من عَشرةِ أعوامٍ لم تبق من وعودهم سوى الّلافتات العريضة المرفوعة عند مشاريعهم الفضائيّة!.

انّهم وعدونا فأَخلفوا، وعاهدونا فنقضوا، حتى فقدوا ثقة الشّارع بهم، ولذلك لن ينتظرَ منهم الشّارع، من الآن فصاعداً، كلاماً معسولاً وحديثاً منمّقاً وشعارات يسيل لها الّلعاب من شدّة حلاوتِها وأحلاماً يغفو على وقع سعادتها المتوقّعة الطّفلُ الصّغير.

ننتظرُ منجزاً فقط، وليوفّروا الوعود والخطابات على حالهم البائس!.

لذلك دعاهم الخطاب المرجعي اليوم الى [العمل هذه المرّة بصورةٍ مختلفةٍ عمّا مضى ويكسبوا ثقةَ المواطنين بانّهم جادّون في الاصلاح وصادقون في نواياهم مع الشعب].

فبالانجازِ وحدهُ نتثبّت من جدّيّة مشروعهم الاصلاحي وصدقِ وعودهم! امّا الخطاب فلا يُغني من الحقّ شيئا، فالتجربة اكبر برهان!.

بالانجاز فقط تعود ثقة الشارع بهم، وهي فرصتهُم الاخيرة!.

لقد وعدونا بالقضاءِ على فقاعةِ الارهابيّين خلال ايام، اذا بها تتمدّد لتحتلّ نصف العراق!.

ووعدونا بحلّ أزمة المدارس من خلال مشروع الـ (٦٠٠٠) مدرسة، اذا بها تتفاقم يوماً بعد آخر!.

ووعدونا بحلّ مشكلة السّكن، اذا بها تتعقّد بشكلٍ مُرعب!.

ووعدونا بحلّ مشكلةِ الكهرباء التي سحقت كرامة المواطن، وأنّ العراق سيبدأ بتصديرِ الفائض الى دول الجوار! اذا بِنَا نبتعدَ عن الحلّ يوماً بعد آخر!.

ووعدونا بتنويعِ مصادرِ الدّخل القومي وعدم الاعتماد بالكامل على البترول، اذا بِنَا نفقد نصف مداخيله للميزانية العامّة وأكثر!.

ووعدونا بحلّ مشكلة البطالة، ولم ندرِ انها ستنتهي، ربما، بهجرة شبابنا وترك البلاد!.

ووعدونا بمحاربة الفساد المالي والاداري، اذا به يتحوّل الى ثقافةٍ في البلاد!.

ووعدونا بعامِ التّنمية وعام الاستثمار، فلم نلمس لا تنمية ولا استثمار!.

ووعدونا بمئة يوم ومئةٍ أُخرى وثالثة من دون ايّ شيء!.

ووعدنا بانّهُ وليّ الدّم! اذا بدمائنا تجري انهاراً ممتدّةً من الشمال الى الجنوب مروراً بالوسط!.

ووعدنا بالسّلاح ليخبرنا بعد (٨) سنوات من الحكم بأَنّ واشنطن خدعتهُ، ليستدر عطف المغفّلين!.

لقد وعدونا بكلّ شَيْءٍ وَلَمْ يُنجزوا لنا شيئاً!.

حتّى تغنّى العراقيون في بعض تظاهراتهم السّابقة بشعار [كذّااااااب كذّاااااااب...] بلحنٍ موسيقيٍّ ساحر!.

وبعد كلّ هذه الوعود الكاذبة، هل يتصور السياسيّون ان العراقيّين سيصدّقونهم هذه المرّة اذا أعادوا الكرّة ووعدوهم بِشَيْءٍ ما؟! ابدا! حتى اذا أقسموا لهم بأغلظِ الأَيمان! انّهم لَمْ يصدّقوا اقوالهم هذه المرّة، ولكنّهم قد يثقون بهم شيئاً فشيئاً كلّما حققوا انجازاً يصبُّ في مطاليبهم ضِمن جدولٍ زمنيٍّ محدّدٍ!.

ولحسنِ حظّ الشارع فانّ الدّكتور العبادي استوعب هذه التجربة بشكلٍ جيّد، فمنذ ان أطلق مشروع الاصلاح الحكومي؛

١/ لم يَعِد الشّارع بِشَيْءٍ قبلَ ان يتأكّد من قدرتهِ على الإنجاز.

٢/ انّهُ يُزامِن الوعد وانطلاق التنفيذ في آنٍ واحد، فلا يتخلّف الانجازِ عن الوعد.

هذان أَمران مهمّان جداً وحيويّان، وهما معيار الإنجاز الحقيقي الذي ينتظرهُ الشّارع بفارغِ الصّبر، والذي طغت على تظاهراته اليوم التأييد الكامل لَهُ بعد ان لمِس جديّتهُ في تنفيذ الإصلاحات وصدق نواياه مع الشّارع وانّه لا يتقّدم بالحُزم الإصلاحيّة لخداعِ الشّارع مثلاً او للانحناءِ امام العاصفة، كما كان يفعل سلفهُ في كلّ َمرّةٍ يتحرك فيها الشّارع ضدّهُ ويطالبهُ بالإصلاح، او على الأقل بالوفاءِ بوعوده!.

انّ استمرار العبادي بإدارة ملفٍّ الاصلاحِ بهذه الطّريقة السّليمة سيبني جسور الثّقة التي هدَمها سلفهُ مرة اخرى!.

وبالّثقة ينجح المسؤول في إنجازِ مهامّهِ.

يبقى ان يبذلَ السّيد رئيس مجلس الوزراء كامل جهدهِ ويستخدم كلّ صلاحيّاته الدّستورية والقانونيّة لتنفيذ الوعد الذي قطعهُ للشّعب بتقديم (عِجْلٍ سَمينٍ) واحدٍ على الأقل للقضاء لتنطلق عمليّة الضّرب بيدٍ من حديدٍ على الفساد والفاسدين، وهو الوعدُ الذي يتحقّق من خلال تشكيل لجنةٍ وطنيّةٍ محايدةٍ ونزيهةٍ من القُضاة المهنيّين الاكفّاء والمستقلّين، للبدء بعمليّةِ فتح والتدقيق في كلّ ملفّات الفساد الكبيرة.

انّ إنجاز الدكتور العبادي لهذه الخطوة الاستراتيجية، وبأسرع وقتٍ مُمكن، سترفع من أسهم الثّقة به بشكلٍ كبيرٍ ومتسارع بطريقةٍ هندسيّةٍ، وهو الشّيء الذّي يحتاجهُ الان وبإلحاح، لانّ نسبة نجاحهِ في قيادة العمليّة الإصلاحية الشّاملة تتناسب تناسباً طردياً مع ثقة الشارع الغاضب والمرجعية المصرّة هذه المرّة به، فالثّقة المتبادلة ستمنحهُ طاقةً خلّاقةً للمضيِّ قُدُماً نحو الاصلاح الحقيقي الذي سيُساهم في تحقيق العدالة الاجتماعيّة.

من جانبه،ِ فانّ الشّارع بدأ يشعر بمسؤوليّته الوطنيّة أكثر فاكثر عندما بدأ يُعقلِن مطاليبهُ ويبوّبها ويحدّد مساراتها في إطار الواقع والمعقول، فلا يُشطِط في مطاليبهِ ولا يميل بها ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمال.

كما انّهُ بدأ يشعر بالانجاز الوطني الكبير الذي بدأت تحقّقهُ التّظاهرات، فلولاها ولولا الخطاب المرجعي الثابت والُمثابر والحازم والحاسم والواضح، لما تحقّق كلّ هذا الشيء من الخطوات الإصلاحيّة وبسرعة قياسيّة ٍاذا ما قيست بالفترة المظلمة الماضية، واذا ما اخذنا بالاعتبار

تراكم الفساد على مدى اكثر من عقدٍ كاملٍ من الزمن عشعش فيها الفساد وتجذّر في كلّ مرافق الدولة، فسمِنت عجولٌ وتضخّمت حيتانٌ كادت ان تستولي على الدّولة برمّتها، لولا ان تداركت العراق رحمةً من رَبِّهِ وفي الوقت المناسب، رُبما!.

انّ على الشارع ان يثق بنفسهِ دائماً فلا يسمع للمرجفينَ واليائسين الّذين لازالوا يردّدون العبارة البائسة (ميفيد) بعد كلّ الذي تمّ انجازهُ لحدّ الان، فلقد راينا، مثلاً، كيف انَّ موقفاً شجاعاً واحداً تجلّى في جملة انتشرت على مواقع التّواصل الاجتماعي، أجبرهم على ان يُعيدوا النّظر في عزمهم إعادة أحد الّذين وَرَدَ اسمهم في تقرير الموصل نائباً في مجلس النّواب!.

انّ الكلمة الصّادقة والشُّجاعة اليوم بمثابة الضّرب بشدّة على الطاولة ليستفيق المغفّلون، وينتبه النائمون، ويرعوي (عَبَدَةُ عِجْلٍ) كثيرون!.

فلا تبخلوا، أيّها العراقيون اينما كُنتم، بحرفٍ ولا توفّروا كلمةَ حقٍّ عند سُلطانٍ جائرٍ لدعم الاصلاح ومحاربة الفساد، أَبداً أَبداً أَبداً!.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق