عندما تسمع عن هدنة مؤقته في سوريا او بعض مدنها، فان الامل يزداد باستمرارها او استنساخها في مناطق ومدن اخرى... لكن ان تسمع "بهدنة طائفية"، تمنع قتل الناس، لأنهم من طائفة معينة، فهذا امر لا يمكن تصوره الا في زمن الحروب... لا زمن الثورات.
المقايضة التي تجري هذه الايام في سوريا... بين مدن تحت قبضة من يسمون أنفسهم ب(المعارضة)، مثل قريتي الفوعة وكفريا (من المسلمين الشيعة)، في ادلب التي باتت بالكامل، تقريبا، تحت سيطرة "جبهة النصرة" والفصائل الموالية لها، وبين مدن اخرى يحاول النظام السوري استعادة السيطرة عليها، مثل الزبداني، الفاصلة بين الحدود السورية-اللبنانية، على اساس ايقاف إطلاق النار، والقذائف والصواريخ على رؤوس المدنيين... والتي سرعان ما تنهار، بعد ساعات او ايام، في أحسن الاحوال، ليحل الدمار بديلا عنها.
لا أحد يعرف كيف سينتهي الامر في سوريا... مئات الالاف انتهت حياتهم، الى جانب ملايين فروا الى مصير مجهول نحو الغرب والشرق، وخراب في كل ركن طالته صواريخ (المعارضة) و(النظام)... لكن لو فرضنا، ان (المعارضة)، بكل فصائلها وانتماءاتها العجيبة، قد انتصروا في نهاية الامر، فكيف سيكون شكل الحكم في سوريا؟ ومن سيحكمون في الاساس، إذا كانت المقايضة في زمن الحرب على اساس طائفي؟ وهو امر كان أحد اسباب انطلاق (الربيع السوري) عام 2011 ضد النظام السوري والامتيازات التي منحها للعلويين... على حد قولهم.
وإذا نجح (النظام) في استعادة سوريا المدمرة، فكيف سينتهي المطاف بنظام بلا شعب؟ وكيف سيعيد نسيجة الاجتماعي بعد خمس سنوات فقط، اصبحت فيه (الطائفية) العنوان الابرز للقتال واعلان الهدنة؟
كلا الخيارين له مستقبل غامض، سيما وانت ترى ان (الربيع) في سوريا قد تحول الى مجرد حرب للعصابات المتطرفة والميليشيات التي أصبح المدنيين هدفها الرئيس، والامر من ذلك، انهم يقتلون الرجال ويسبون النساء على اساسهم المذهبي او الديني او القومي.
التأسيس للحرب على أساس الدين او المذهب او القومية في سوريا، كان من أولويات تنظيم داعش الإرهابي والجماعات التكفيرية الأخرى، كجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، التي نشطت في سوريا عقب الفوضى الأمنية عام 2011، مع الاخذ بعين الاعتبار، ان ضحايا داعش او النصرة او غيرها من الميليشيات المسلحة النشطة هناك، لم تكن من الأديان او المذاهب او القوميات الأخرى، (والتي يحاربها التنظيم)، فحسب، بل امتدت الى من هم على نفس منواله، لأنه ببساطة لا يعترف بالجميع، ومن الممكن بسهولة ان يقطع رأس عنصر من عناصره لمجرد أي شك في ولائه او تصرفاته.
لم يعد هناك من استغراب، عندما تدعي أطراف إقليمية او دولية، رعايتها لجهة دون الأخرى، كما لم يعد بالأمر الجديد، ان تلتهب الجبهات السورية، شمالا وجنوبا وشرقا، بين الحين والحين، لان جهة ما، (خارج سوريا)، لم يعجبها ما حققه مسلحو طرف منافس لها على الأرض داخل سوريا، فما يحدث في الداخل هو مجرد (لعبة كبيرة) تديرها دول نافذه، ويتصارع الاخرون فيما بينهم على تحقيق ما يمكن تحقيقه... فما دامت (الهدنة) التي استمرت لساعات بسيطة، مبينة على أساس (طائفي) فما بالك بالحرب الجارية منذ خمس سنوات بلا هواده؟
اضف تعليق