هناك أزمات مستدامة في الشرق الأوسط، فعلا تحتاج الى المزيد من التفكير في توقع نهاياتها، ان كان لها ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت سوريا، ولا زالت، الشغل الشاغل لمعظم من يحاول حل مشاكل الإرهاب العالمي، او مكافحة تنظيم داعش، بعد ان اشتد عوده هناك، لينطلق منها ويهدد باقي دول العالم بالسيطرة على أراضيه (العراق)، او شن العمليات الانتحارية عبر مؤيدين له (اوربا)، او ضمان ولاء جماعات متطرفة أخرى لتؤسس له قاعدة "جهادية" في تلك البلدان (ليبيا وشمال افريقيا وغرب اسيا).
اما في اليمن... فالوضع، على ما يبدو، يقترب كثيرا من السيناريو السوري، مع فارق التوقيت، (عمر الازمة السورية 5 سنوات مقابل 5 أشهر لليمن)، وكما حدث في سوريا من اهمال متعمد للازمة التي عصفت بها عام 2011، ومن ثم التدخل الإقليمي والدولي (المصلحي) لطرف على حساب اخر... يلاحظ ان اليمن، التي اختلف أطرافها الداخلية حول إيجاد (حل سياسي) للازمة الخاصة بهم، سرعان ما تحولت الى (صراع إقليمي) على النفوذ، أيضا لتغليب طرف على حساب اخر... لتحقيق المصلحة الخاصة، وفق منظور ربحي أني للدول الخارجية.
وفي كلا الازمتين... وغيرهما، لم نسمع او نشاهد، سوى "فشل" محاولات المجتمع الدولي المتكررة لاحتواء الازمة في بداياتها، او للتوصل الى "هدنة" بعد اندلاع الحرب، وهو فشل يعكس الواقع المرير الذي تعيشه (السلطة الاممية) ومدى جدية تأثيرها على اغلب التهديدات التي طالت حقوق الانسان والامن والسلم الدوليين.
عندما انطلقت الحرب في اليمن، أواخر مارس الماضي، بإعلان السعودية عن "عاصفة الحزم"، كان الجميع يشكك في جدية الحرب، والمعنى من ورائها، فيما تشير الأصابع نحو الدور الإيراني الخفي وراء تمدد جماعة الحوثي، وهو ما رغبت المملكة من عدم السماح له بالقرب من حدودها الجنوبية، وبين الامرين استمرت الحرب بلا هوادة، وتنقلت بين أكثر من صفحة، حتى وصلت الى "السهم الذهبي"، والذي تم فيه استخدام معدات حربية جديدة، سهلت التوغل البري، إضافة الى تشكيل تحالفات متنوعة، (امتدت للتعاون مع عناصر تنظيم القاعدة)، لطرد جماعة انصار الله وقوات صالح من وسط وجنوب البلاد، وصولا الى العاصمة صنعاء، وقد حققت القوات المتحالفة مع السعودية على الأرض، مؤخرا، نجاحات عسكرية مهمة مكنتها من التفكير الجدي للتحرك نحو العاصمة.
لكن، وحتى مع هذه النجاحات العسكرية، هل يمكن التفاؤل بمستقبل أفضل لليمن بعد هذه الحرب؟
السعودية تعرف أكثر من غيرها، ان اليمن يشكل (عقدة استراتيجية) بالنسبة لها ولآمنها الداخلي، وان خليطا من القوى الموجودة على الساحة اليمنية، يمكن لأيا منها تهديد امن السعودية واراضيها بصورة جديدة فهناك:
- الحوثيون
- القوات العسكرية الموالية لصالح
- العشائر والقبائل اليمنية التي لا يمكن ضمان ولائها لجهة دون اخرى
- فرع تنظيم القاعدة في اليمن، وهو من اقوى فروع القاعدة حاليا
- الموالون لتنظيم داعش في اليمن، واغلبهم من العناصر السلفية المتطرفة
- الانفصاليون الجنوبيون
والسؤال: كيف ستسيطر السعودية على جميع هذه القوى بعد انتهاء الحرب، وعلى فرض انها فازت فعلا في نهاية المطاف؟
اغلب الظن، انه لا يمكن الجزم ابد بضمان كسب جميع هذه الأطراف او بعضها لصالح طرف واحد، فضلا عن إمكانية كسب الحرب بصورة نهائية، ما زال امرا مشكوك فيه، وفي نهاية المطاف، فان ما خلفته هذه الحرب، يفوق إمكانية ترميمه، وعلى فرض ان إيران كانت تريد اليمن لصالحها، اون السعودية منعت ذلك بالفعل، فكيف تم الامر؟ اعتقد انه تم بإضرار جانبية تفوق حجم المشكلة الأساسية، فالخراب الذي حل، وحجم التمزق في نسيج المجتمع اليمني، لن ينتهي بمجرد اعلان الانتصار او إيقاف الحرب... بل سيستمر أثرها الارتدادي لسنوات طويلة من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، التي لن تكون (صاحبة الحرب)، أيضا، بمأمن عن عواقبها.
اضف تعليق