القضية الكردية وامتداداتها ورغم تحديات الاستهداف الايراني- التركي، له صلة بالسياسات الدولية وأبرزها السياسة الأمريكية وبمصالح إقليمية أخرى، ما يجعل الأكراد يشكلون رقماً صعباً ومؤثرا في المعادلات الإقليمية من الصعب حذفه أو تطويعه وفقا للمقاربة العسكرية المطروحة من طهران وانقرة، فالتمدد الكردي في المنطقة قائم بشكل متزايد...
تتصاعد الخيارات الايرانية والتركية لإطلاق حملة عسكرية برية داخل الاراضي العراقية السورية لمواجهة الحركات والاحزاب الكردية المعارضة لهما، خاصة بعد الاحتجاجات في ايران وتفجير شارع الاستقلال في اسطنبول، في حين يستمر القصف الصاروخي الايراني والتركي في شمال العراق، وايضا في شمال وشمال شرق سوريا.
دوافع التحرك الايراني وتصعيد القصف يرتبط في جزء كبير منه بالاحتجاجات داخل ايران، اذ تعتقد ايران ان مصدر التمرد ينبع من الاحزاب الكردية الايرانية المعارضة التي تتموضع في السليمانية واربيل، خاصة بعد خروج وقفات احتجاجية كردية مساندة في اقليم كردستان لهذه الاحتجاجات، اضافة الى ان مهسا اميني التي لقت حتفها في 16/9/2022 على يد شرطة الأخلاق الايرانية بعد ان القت القبض عليها بتهمة انتهاك قواعد الزي الإسلامي، هي كردية الاصل، كما ان ايران تبحث عن عدو خارجي اخر للتخفيف عن ضغط الاحتجاجات من جهة، وكسب ورقة دبلوماسية مهمة مبررة تستخدمها في التفاوض مع محيطها الاقليمي وخصومها في المجتمع الدولي.
اما تركيا فورقة البحث عن عدو خارجي تتزايد مع قرب استحقاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في منتصف العام القادم، ومع تراجع ملموس لشعبية الرئيس اوردغان وحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، وبعد تراجع قيمة الليرة التركية الى ٤٠٪ وتصاعد شعبية الحزب الجديد المنشق من الاخير اضافة الى تماسك حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وبروز ما يعرف بتحالف الستة المتكون من ستة احزاب لا تجمعها ثوابت ومبادئ واحدة مما يسهل المهمة امام اوردغان، ولهذا بدأت عملية مواجهة الخصوم حزباً حزبا واولها حزب الشعب الديمقراطي الكردي الذي يغذيه فكريا حزب العمال الكردستاني، شيطنة هذا الحزب واستهدافه داخل وخارج تركيا يشكل احد فرص تفكيك تحالف الستة وابقاء حظوظ العدالة والتنمية واوردغان ماثلة في الفوز بقوة في الانتخابات القادمة.
كما ان من الاهداف التي تقارب بين ايران وتركيا في مسارات مواجهة المعارضة التركية الايرانية لا ترتبط بالمخاوف الداخلية او استخدام القضية الكردية كورقة تفاوضية في السياسة الخارجية، بل ترتبط بالمشاهد المحتملة والقائمة في سوريا والعراق من تزايد قدرات الاكراد فمعالم تزايد هذه القدرات تشكل اكبر التحديات لهذين البلدين، بكل تعقيداتها مما يدفع ذلك بإيران وتركيا للتقارب والتموضع إزاءها، بل تشكل مخاوف مشتركة تدفع بهما للتنسيق والدخول بما يشبه الحلف الاستراتيجي ضد الطموحات الكردية في العراق وسوريا والتوصل الى تفاهمات حول اضعاف ومواجهة الاكراد واعتبارها مرتكز خطير قريب على حدودهما نتيجة ازدياد قيام شريط كردي قد يضع اسس دولة كردية جديدة في شمال العراق وشمال شرق سوريا، واكبر ما يؤكد هذه المخاوف هو ان الولايات المتحدة الامريكية باتت تعول وتعتمد على الاكراد كحلفاء موثوقين، وربما تسمح الادارة الامريكية مستقبلا للأكراد في رسم مناطق نفوذ لها مما يغير شكل الخرائط المستقبلية في المنطقة.
وتمتد المخاوف التركية والايرانية بشكل متزايد من توجهات أمريكية وغربية وإسرائيلية تراهن على الورقة الكردية، تعد متناقضة وعائق وحاجز أمام مصالح ومشاريع تركيا وإيران في المنطقة بحيث دخلت الورقة الكردية كلاعب يحقق التوازن بين القوى المتنافسة، واحد ادوات ادارة الصراع التي تشكل الجغرافيا السياسية من جديد فيما لو اتيح للوجود الكردي ان يترسخ في الشرق الأوسط.
هذه الرهانات شكلت حافزاً لإعادة تجميع وترتيب اوراق إيران وتركيا ضد أي وجود لجماعات كردية مسلحة معارضة لها بأي ثمن كان، وتم التركيز على وضع خيارات واقعية لشن حرب برية ضد الأكراد في العراق وسوريا، وهذه الخيارات قد تشمل ليس فقط الجماعات المسلحة الكردية المعارضة بل ضد ساسة اقليم كردستان، خاصة ان امريكا لا ترى مانعاً باستقلال اوسع للأكراد ازاء حكومتي بغداد ودمشق لمواجهة اي تمدد للنفوذ الايراني والتركي في العراق وسوريا.
ان سيناريوهات العمل العسكري الذي تهدد به انقرة وطهران لمواجهة الاكراد المعارضين يواجه عقبة وجود القوات الامريكية في شمال العراق وشمال شرق سوريا، ما يعني استمرار اللجوء للخيار العسكري غير المباشر الذي لا تعترض عليه حكومة بغداد ودمشق لحسابات سياسية لمواجهة الانفصال او توسيع الصلاحيات الكردية ازاءهما.
ومع كل ذلك فإن القضية الكردية وامتداداتها ورغم تحديات الاستهداف الايراني- التركي، له صلة بالسياسات الدولية وأبرزها السياسة الأمريكية وبمصالح إقليمية أخرى، ما يجعل الأكراد يشكلون رقماً صعباً ومؤثرا في المعادلات الإقليمية من الصعب حذفه أو تطويعه وفقا للمقاربة العسكرية المطروحة من طهران وانقرة، فالتمدد الكردي في المنطقة قائم بشكل متزايد، فبعد منعطف الاستفتاء في كردستان العراق وتزايد قدرات سوريا الديمقراطية سياسيا وعسكريا، وتزايد نشاطات حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني والشيوعي الإيراني وحزب كومالا المعارضين والمسلحين ضد ايران وتركيا، سيصبح امام القضية قدر اكبر من الزخم السياسي، ويشكل بنفس الوقت تحدياً للداخل التركي والايراني اضافة الى استنزاف خارجي في اتباع اجراءات استباقية للتعامل مع هذا التحدي.
اضف تعليق