وأخير وصلت حزمة الاصلاحات السياسية التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لفك شفرة المشهد السياسي الذي يشوبه الفساد، حيث لم تعد البلاد قادرة على تحمل فقدان مليارات الدولارات في وقت تكافح فيه خطر التنظيمات الارهابية في ظل انخفاض أسعار النفط.
لذلك جاءت دعوة الرئيس العبادي المدعومة من المرجعية الدينية ومن قبل الشارع العراقي لتكون أقوى هزة في عمر النظام السياسي في العراق منذ عام 2003 وخصوصا بعد أن تكشفت الحقائق عن حجم ما فقد البلد من أموال تقدر بـ 350 مليار دولارا منذ ذلك العام وهو ما وضع البلاد ضمن أسوء الدول على قائمة مؤشر الشفافية.
لكن تبقى المفاجئات تتصدر ساحة الحدث؛ وخصوصا عندما تصل قرارات الاصلاح الى مواقع حساسة في الدولة، وخصوصا الأمنية منها، بمعنى آخر أن الانظار توجهت نحو التطورات الهائلة في أتساع حزمة الاصلاحات التي كان من تداعياتها قرار اللجنة النيابية التي قدمت تقريرها حول ما يخص سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش والذي ورد فيه اتهام رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وقادة عسكريين ومحليين بالحادثة.
إذ ان المؤسسة الأمنية تعد اللاعب الرئيس في المشهد السياسي العراقي؛ وتشهد انقسامات بين الحكومة والكتل السياسية حول المناصب. ومن شأن هذا التحدي، أنّ يوجه البلد باتجاهين الأول: الوصول الى اتفاقات معينة من خلال تفاوض العبادي مع قادة الكتل السياسية من أجل ايصال البلاد الى بر الأمان، أما الاتجاه الثاني فهو الانحدار بالعملية السياسية وبطبيعة الحل سينعكس ذلك على الاوضاع الأمنية.
فعلى بعد كيلومترات من العاصمة بغداد تواجه الحكومة العراقية تحديها الأكبر من قبل تنظيم داعش. ويشمل ذلك الانتهاكات الصارخة التي يقوم بها التنظيم بحق الأهالي. وسيتطلب من الحكومة اتخاذ مزيدا من الإجراءات الأمنية والسياسية، وكلاهما يمثل تحدياً. لذلك تأتي أهمية الاصلاحات في المؤسسة الأمنية من أهمية المصلحة الرئيسية للبلاد في خضم تفاقم خطر الارهاب. وهذا يعتمد على مساعدة الرئيس العبادي على النهوض بمهمته الإصلاحية من دون خنق المشروع الاصلاحي.
ومنذ اطلاق حزمة الاصلاحات تبنى البرلمان والحكومة التغيير، إلا أن وزارتي الدفاع والداخلية وبقية المؤسسات الأمنية تبقى اللاعب المحوري حيث بقيت ديناميكيتها غير واضحة المعالم أمام ملف الاصلاحات. وعلى الرغم من وجود وزيري دفاع وداخلية رسميين، تشير المعطيات الى ان الضغوط السياسية تدخل بقوة في التوصل إلى اتفاقات فاعلة حول المواد المتعلقة بالمؤسسة الأمنية. وهو ما اعتبره محللون أن الأمر خارج عن سيطرة العبادي مع وجود حاجة ملحة الى الأمن.
وعند الحديث عن اصلاح المؤسسة الأمنية إنما هو من أجل الاصلاح ومن أجل بناء جيش منظم وفق بصيرة قيادية تتماشى مع الأهداف السياسية، وتحويل الاصلاحات الى انتصار استراتيجي. ويبدأ ذلك بقدرة القيادة السياسية على التعامل مع الملف الأمني بكفاءة عالية، لأن ضمان أمن واستقرار البلاد يعتمد على تأمين هذه المؤسسة من أي خروقات. لذلك أصبح من الضروري أن تشمل الاصلاحات المؤسسة العسكرية وعلى المستويين القريب والبعيد، لذا ينبغي مراعاة ما يلي:
1. إعادة تشكيل القوات المسلحة وهيكلة القيادة العسكرية وصياغة برنامج للأمن القومي.
2. تدريب وحدات الجيش العراقي حسب الاصناف.
3. بناء الثقة بين القيادات السياسية وبين المؤسسة العسكرية.
4. مراجعة سجلات وزارتي الدفاع والداخلية وباقي المؤسسات الأمنية لتحديد من هم مؤهلون للخدمة.
5. تعيين قادة جدد يتمتعون بالمصداقية والمهنية، ونشر الجيش وفق ماهو مطلوب من مهام.
6. التعامل مع المجموعات المسلحة وفق القوانين الدستورية بحيث يمكن دمجها في القوات المسلحة.
7. بناء كل من وكالة الاستخبارات والمخابرات داخل كل مؤسسة أمنية بشكل مهني احترافي.
ان العراق اليوم يمر بمرحلة أمنية خطيرة بسبب طبيعة العلاقة بين السلطة السياسية وبين المؤسسة الأمنية، لذلك يجب أن تدخل الإصلاحات التي تبناها رئيس الوزراء العراقي حيز التنفيذ، من أجل ضمان استراتيجية بناء الدولة. وفي نفس الوقت فان الاستيلاء على السلطة من قبل العسكر سيوصف بالانقلاب على المسيرة الديمقراطية في البلاد.
اضف تعليق