يمكن ان تلعب إيران والسعودية ادوارا ايجابية في منطقة الشرق الاوسط المضطربة، فيما لو كانت العلاقة التي تجمعهما، طبيعية وفي سياقاتها المقبولة، اما وهي على هذا المنوال المتشنج، فلن تفرز، حاضرا ومستقبلا، سوى المزيد من التوتر والصراعات التي زادت الطين بله.
السعودية وإيران لديهما تاريخ طويل من العداء، ربما يجعل البلدين على طرفي نقيض في كل شيء تقريبا... ومع ان محاولات التقارب والحوار بينهما، مرت بأوقات ايجابية، لكنها سرعان ما تنهار، وتنهار معها كل الآمال والجهود المبذولة للتقارب، لتعود "الحرب بالوكالة" سيدة الموقف لاحقا.
ما تعيشه، اليوم، هذه العلاقة من خلافات حادة، انعكس تأثيرها على عدد من الدول العربية، يعطي انطباعا واضحا مفاده عدم قدرة الطرفين على احتواء خلافاتهما، حتى مع وصول (الاصلاحيون) في إيران، والشاب (محمد بن سلمان، الذي يوصف على انه الحاكم الفعلي في المملكة)، في السعودية، وهما طرفان قادران على احداث تغييرات جدية في مسلسل العلاقة السيئة، كما احدثت إيران في عهد "روحاني" تغييرا ايجابيا بشأن الحوار مع الغرب حول برنامجها النووي... على سبيل المثال.
لكن ما يلحظ عكس ذلك تماما، سيما لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الست، وقرب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، اضافة الى تنامي ازمة الارهاب العالمي، وما احدثه تنظيم "داعش" من تهديد حقيقي على منطقة الشرق الاوسط والعالم المتمدن... وفي كلا الامرين، كان لتبادل الادوار السلبية فيما بينهما أثر مربك على الامن والاقتصاد والارهاب في المنطقة.
ان اغلب الاطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، ترى ان إيران يمكن ان تلعب دورا فاعلا في تحقيق الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط عموما والعالم العربي والخليج على وجه الخصوص، على الرغم من تخوف البعض منها، نتيجة لازمة الثقة التي تراكمت عبر عقود من القطيعة والاتهامات المتبادلة... وهذا التحول التدريجي في تعامل الغرب مع ايران، زاد من مخاوف العربية السعودية، التي غالبا ما تضع نصب عينيها (ايران) في أي حراك سياسي او اقتصادي او امني، وبالأخص في منطقة الخليج، وهي النقطة الحرجة لكلا الخصمان.
البؤر الساخنة بين إيران والسعودية، توزعت على عدة محاور مختلفة:
- السلاح الاقتصادي، والصراع على أسعار النفط لاستنزاف الخصم ماديا
- الحراك السياسي لتطويق او عزل الخصم في محيطة الإقليمي والعالمي، بل حتى على المستوى الداخلي
- الحروب بالوكالة (وهي اعلى مراحل الصدام)، والتي غالبا ما تختار اهداف يمكن ان تؤثر على امن واستقرار الخصم بطريقة مباشرة، وفي بعض الأحيان، قد تتحرك الدولة ذاتها، (كما فعلت السعودية بتدخلها الأخير في اليمن)، بدلا من الاعتماد على وكلائها في المنطقة.
اما الوساطات القريبة من الطرفين، (كالوساطة العمانية)، فبالرغم من تأثيرها ونشاطها الفاعل، الا انها ما زالت عاجزة عن إيجاد منفذ دبلوماسي او مصلحي يمكن الولوج منه الى هدنة او اتفاق او وقف لتلك التحركات السلبية... لكن ما رشح من تصريحات وتسريبات في الفترة الأخيرة، (بعد الاتفاق النووي مع إيران)، تحدثت عن محاولات وتحولات جادة في السعي لتقريب وجهات النظر الإيرانية-السعودية، وان تحققت تلك التوقعات، فان عصر جديدا قد يطرأ على المنطقة التي وصلت الى حافة الانهيار الاقتصادي والأمني مؤخرا.
وحتى ذلك الحين تبقى منطقة الشرق الأوسط عموما، والعالم العربي خصوصا، عرضة لتجاذبات سياسية وامنية واقتصادية لا تنتهي، في منطقة صراع النفوذ بين إيران والسعودية، وتبقى القرارات الاقتصادية الخاطئة والحروب العبثية والسجالات التي لا نهاية لها... هي سيدة الموقف.
اضف تعليق