إن أهمية الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن حاجة الآخرين والاعتماد على النفس تظهر بشكل كبير في أوقات الحروب والأزمات والمؤامرات الدولية الهادفة إلى إركاع الدول الضعيفة وفق سياسة ليّ الأذرع وإثقالها بالديون حتى تبقى تحت رحمتها للرمق الأخير، ثم مرحلة الانهيار والسقوط واللهث خلف رضا دول كبرى لها تاريخ في إذلال الشعوب واستعمارهم، وخير شاهد قصة أكذوبة الدعم الأميركي والدولي للعراق والاتفاقية الأمنية وعقود التسليح بمليارات الدولارات التي استنزفت الطاقات والثروات دون جدوى تذكر بل مجرد زوبعات إعلامية لخداع الرأي العام.
ان المتتبع لتاريخنا الإسلامي يلاحظ أن الرسول الأعظم "ص" ما كان ينتصر ويتفوق على أعدائه وخصومه لو لم يتسلح بمبدأ الاكتفاء الذاتي كدرع واقٍ لتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي لمواجهة المؤامرات والتحديات التي كانت تهدف إلى إسقاط دولته الفتية وإضعافها، التي تتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، حيث ورد أنه أمر المسلمين بتعلم صنع السلاح وإرسال البعض إلى اليمن، كما شجعهم على تعلم القراءة والكتابة والتجارة والزراعة والبيع.
كما أن من أسرار تقدم اليابانيين، حتى أصبحوا ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة ومن دول الصف الأول في العالم رغم شحة الموارد وضيق المساحة وسنوات الدمار والخراب الذي خلفته خسارتهم بالحرب العالمية.. هو قبولهم التحدي بكل شجاعة واعتمادهم على أنفسهم بإيجاد وتوفير احتياجاتهم الأساسية بل وحاجات غيرهم من الشعوب الأخرى!
إن ما يجري في العراق من أوضاع كارثية، يؤكد حقيقة مرة مفادها إن ساسة البلاد أحالوا الاكتفاء الذاتي والصناعة الوطنية إلى التقاعد وذبحوه كما يذبح العراقيون يوميا على يد الإرهابيين، فأصبحت اسماً بلا معنى وشكلاً بلا جوهر، فصرنا نستورد الطماطم وماء الشرب من دول توصف بأنها صحراوية كالسعودية والكويت، والدشداشة الصينية، والسايبا الإيرانية، والفحم الماليزي، فبعدما كنا منتجين ويسموننا بلد السواد لكثرة سنابل القمح الممتلئة بالحب، أمسينا نستورد 80% من استهلاكنا المحلي!
إن المطلوب من الحكومة في هذه المرحلة الحرجة الابتعاد عن الشعارات الفارغة التي أصمت أسماعنا منذ 13 سنة والتخطيط لحياة أفضل لهذا الجيل والأجيال اللاحقة بإيجاد إستراتيجية اقتصادية اكتفائية وإعطاء فرصة لكفاءات البلد لقيادة عملية تنموية شاملة ضمن أجواء الحرية والشفافية، بعيدا عن محاور الطامعين بالسيطرة والنفوذ كحل للخروج من عنق الزجاجة والسير إلى الأمام بالشعب.
اضف تعليق