يحكى ان احد الامراء تلقى هدية عبارة عن صقر ولم يكن قد شاهد طيرا مثله من قبل فسأل حاشيته عما يفعله هذا الطير فأجابه احدهم بانه يستعمل لصيد الطيور فسأل الامير وماذا يأكل؟ فأجابه لحم الطيور. فابتسم الامير وقال اطلقوه اذا يصطاد ويأكل صيده فلا حاجة لي به.
في عام 2003 وبعد سقوط النظام العراقي على يد الجيش الامريكي واستبداله بحكومة جديدة اقر العراق لأول مرة في تاريخه مبدأ الفيدرالية حيث تمتع اقليم كردستان بوضع خاص في قالب نظام فيدرالي رغم ان الاقليم يقع خارج نطاق سيطرة الدولة المركزية منذ عام 1991 أي بعد حرب تحرير الكويت وقد ادى انفصال الاقليم عن الحكومة المركزية الى ازدهاره اقتصاديا وتقويته عسكريا في التسعينيات بينما كان شعب العراق يعاني الامرين بسبب الحصار الاقتصادي.
ورغم اني لست ضد تمتع الاكراد في العراق او دول الجوار الاخرى بحقوقهم القومية كشعب له لغته وتاريخه وخصوصيته ولا احمل اي نوع من العنصرية تجاه الشعب الكردي او كما يسمون انفسهم (الكوردي) الشقيق واكن احتراما كبيرا لهم الا ان النظام الفيدرالي المتبع في العراق هو الاغرب من نوعه في العالم كله.
فمن المعروف ان الانظمة الفيدرالية في العالم لها قالب محدد ينظم اختصاصات كل اقليم وعلاقته بالحكومة الفيدرالية ومنها لا حصرا ان تكون جميع المطارات والحدود والموانئ حصرا بيد الحكومة الفيدرالية وتكون العوائد الناتجة عن الجمارك والثروات السيادية بيد الحكومة الفيدرالية وكذلك الجيش والقوات المسلحة تكون ايضا حصرا على الحكومة الفيدرالية، ولا يحق للأقاليم ان يكون لها اي تمثيل ديبلوماسي خارج نطاق وزارة الخارجية الفيدرالية، اما الشرطة فتكون الجرائم الكبرى بيد الشرطة الفيدرالية والجرائم الاخرى وتنظيم الامن بيد الشرطة المحلية كما ان العلم الفيدرالي يجب ان يرفع فوق جميع الابنية الحكومية الى جانب علم الاقليم.
وعندما ننظر الى اقليم كردستان في العراق الفيدرالي نرى ان ولا واحدا من هذه الشروط تنطبق عليه فالاقليم لايعترف بعلم العراق الفيدرالي ولا يرفعه على اي مبنى حكومي في الاقليم وكذلك فأن له جيشا خاصا به لايخضع لسلطة الجيش الفيدرالي تحت مسمى البيشمركة، وله جهاز شرطة واستخبارات مستقلة تسمى الاسايش ولاتخضع ولا تنسق حتى مع وزارة الداخلية والمخابرات الفيدرالية وتخضع المطارات الدولية الواقعة في الاقليم لسلطة الاقليم وحدها، وكذلك الحدود الدولية مع تركيا وايران وسوريا كما ان اقليم كردستان لايعترف بالتأشيرات التي تصدرها السفارات العراقية في الخارج كما يفرض على المواطنين العراقيين لدخول الاقليم ما يشبه التأشيرة الدولية كما ان جميع العوائد الجمركية وعوائد استخراج النفط تذهب للاقليم وحده ناهيك عن مطالبات الاقليم بتوسيع رقعته عبر الاستيلاء على محافظة كركوك النفطية.
ولو امعننا النظر بشكل منطقي فسنجد ان اقليم كردستان العراق هو دولة مستقلة تماما لها رئيس جمهورية ومجلس وزراء وبارلمان ووزارات وكل مقومات الدولة لا بل ويشارك في عمليات عسكرية خارج الحدود كما حصل في مدينة كوباني السورية ولا ينتمي الاقليم للعراق الا بالاسم فقط لاغير.
ومن ناحية اخرى فأن اقليم كردستان يتمتع بمزايا كبيرة في الحكومة الفيدرالية العراقية ومنها لا حصرا منصب رئيس الجمهورية الفيدرالية ومنصب نائب الرئيس ونائب رئيس الوزراء وعدد من الوزارات السيادية والخدمية و50 مقعدا في البرلمان الفيدرالي وعدد من قيادات الجيش الفيدرالي ويستحوذ على مايقارب ثلث ميزانية العراق الفيدرالية دون ان يساهم فيها ولا بدينار واحد.
والسؤال الذي يطرح نفسه اي نوع من الفيدرالية هذه التي لم يسمع بها احد في العالم من قبل؟ وما فائدة وجود دولة مستقلة لاتعترف بالعراق هوية ولا لغة ولا تاريخا ولا جغرافيا ولا تخضع لسلطته عسكريا ولا سياسيا ولا اقتصاديا ولا سياديا ثم تنفق عليها ثلث ميزانية العراق وتسلم ثلث مناصبه السيادية والادارية وتدفع رواتب الموظفين فيه من الميزانية العامة؟
ما يحدث اليوم في العراق ابعد ما يكون عن الفيدرالية الواقعية بل هو اقرب الى نوع من الاتكالية وكلنا يعرف ان سببها رفض تركيا وايران لقيام دولة مستقلة كردية على حدودها وهو امر تدعمه امريكا ويجب ان يدفع الشعب العراقي ثمنه من ميزانيته وكرامة ابنائه كي يبقى كردستان كنموذج غريب لدولة مستقلة تعيش على حساب دولة اخرى.
نتمنى ان نرى احد اثنين في القريب العاجل اما فيدرالية حقيقية تتساوى فيها حقوق الاقليم مع واجباته او استقلاله التام وقطع كل صلة له بالدولة العراقية سياسيا واقتصاديا بما يضمن صرف هذه المبالغ على بقية اجزاء العراق التي هي بأشد الحاجة اليها لما تعانيه من فقر وخراب في البنى التحتية على عكس الاقليم المدلل كردستان الذي يعيش في رخاء اقتصادي تدعمه ميزانية العراق والاستثمارات الاجنبية من كل انحاء العالم.
اضف تعليق