انتهت المأساة وتشكلت اللجان التي ستتقصى الحقائق ومعرفة اسباب انهيار المختبر الوطني بمنطقة الكرادة وسط بغداد، ولان العراقيين أدمنوا هذه المصائب، لا يتوقعون ان تخرج اللجنة المشكلة بتوضيح لاهم الأسباب التي أدت الى سقوط المبنى الجديد قياسا بعمر المباني العامة او الخاصة وتحويله الى مبنى قاتل لمرتاديه...
انتهت المأساة وتشكلت اللجان التي ستتقصى الحقائق ومعرفة اسباب انهيار المختبر الوطني بمنطقة الكرادة وسط بغداد، ولان العراقيين أدمنوا هذه المصائب، لا يتوقعون ان تخرج اللجنة المشكلة بتوضيح لاهم الأسباب التي أدت الى سقوط المبنى الجديد قياسا بعمر المباني العامة او الخاصة وتحويله الى مبنى قاتل لمرتاديه.
ولمن لا يعرف بعض التفاصيل، هذه البناية حاصلة على الإجازة الاستثمارية من قبل هيئة استثمار بغداد بتاريخ 29 – 1 – 2018، بالرقم 403، وأعطيت لشركة عراقية وفق قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل كمختبر للتحليلات المرضية بالتعاون مع وزارة الصحة وفق الضوابط والشروط المطلوبة والموثقة من قبلهم آنذاك.
المفاجئة الصادمة هي ان المبنى يعتبر من الانشاءات الحديثة التي دخلت الخدمة مؤخرا، ويفترض ان يكون متكامل من الناحية الفنية والهندسية، كونه شُيد بزمن لا يُقبل فيه الخطأ، حيث وصلت الابتكارات العلمية والطرق الفنية مرحلة متقدمة في المجال العمراني، ومن الممكن الاطلاع عليها من قبل أصحاب الاختصاص وتطبيقها بصورة عملية.
وبينما ذهب البعض الى المبنى لتلقي الفحوصات، قال القدر كلمته، وجثمت الكتل الكونكريتية على صدور الأطفال والنساء والشيوخ الذاهبين الى المختبر بحثا عن جرعة امل تعطيهم القدرة على الاستمرار في الحياة وسط الكم الهائل من المآسي والاوجاع التي تلاحق الافراد أينما حلوا في بلاد الرافدين وموطن الأنبياء والمرسلين.
انهيار المبنى نتيجة واضحة وقراءة حقيقة لما يدور من صراع بين الفرقاء السياسيين، اذ يجسد المشهد الدموي حالة الانفلات والاستهانة بحرمة الدم العراقي، فكيف لمبنى حديث ان يسقط بهذه الصورة؟، أليس من المفترض ان تكون الاساسات رصينة؟، تتحمل الكتلة البنائية التي ستشيد فوقها!
في بلد مليء بالعجائب ليس من المثير للدهشة حدوث مثل هذه الحوادث، فمن الطبيعي وسط الفوضى في كل شيء، فوضى في البناء، وفي اختيار الأماكن، وفي تطبيق شروط السلامة، وفي المواصفة العامة للمواد المستخدمة، وفوضى الرقابة الفعلية على المنفذين وعدم وتمرير الأخطاء المتعلقة بالجوانب العمرانية، تفاديا لمثل هذه النتائج المؤلمة.
التهاون مع الجهات المنفذة في المراحل الأولى من البناء، يعتبر من الأخطاء الفادحة والكوارث بحق الإنسانية، ومن يرضى لضميره ان يتغاضى عن هذه المشاكل، فانه قد عرّض حياة المواطنين الى التهلكة، فكم من مراجع يزور المكان في اليوم والشهر والسنة، أضف الى ذلك العاملين فيه، هؤلاء جميعهم معرضين الى فقدان الحياة بلحظة غير معلومة.
بعد هذا الحادث، لو تكلم القليل من الافراد عن ضرورة منع الشركات المحلية من التنفيذ، لقامت القيامة، ولأصبح اغلب أبناء الشعب حريصون على دعم المقاول المحلي، ويجب ان يبنى العراق بأيادي ابناءه، وها هم ابناءه لا يعطون أي اعتبار او أهمية لحياة المواطنين الأبرياء، وهمهم الأول والأخير انهاء العمل واستلام المبالغ المالية المتبقية بذمة الحكومة.
كل عمل لم يخضع للرقابة المشددة، تكون هذه النتيجة، فلا تزال قوانين إحالة المشروعات الصغيرة والكبيرة، الى المقاولين، يشوبها الكثير من الغموض وعدم التأكد من الجهة المنفذة وإمكانيتها وقدرتها على إكمال العمل بالوقت والمواصفة الموضوعة من قبل خبراء واستشاريين.
وهنا يتوجب إعادة النظر في مجمل اللوائح القانونية التي تمنح المقاول والمستثمر المحلي الحق في تشييد المباني العامة، لكي تمنع تكرار مثل هذه الحالات التي تعبر عن استرخاص واضح لأرواح البشر، وهو ما يتطلب وضع جملة من المعايير تكون مرجعا لا يمكن تجاوزه من قبل المقاولين، والحرص على تنفيذها بواسطة لجنة رقابية تخصصية.
في المجمل ووفق الحسابات الاقتصادية، ان تكليف المنفذ المحلي بالبناء، يسبب للبلد الكثير من الخسائر، فخذ على سبيل المثال بناية المختبر الذي انهارت قبل أيام، من المؤكد سيتم تشيدها من جديد، بعد إزالة الأنقاض والكتل الكونكريتية، وبالتالي ستصرف أموال ربما أكثر من التي صرفت في المرة الأولى، وهنا أصبحت التكلفة مضاعفة ولم يتم علاج المشكلة الأساسية.
بينما لو تم تخويل احدى الشركات الأجنبية بالتنفيذ، على الرغم من ارتفاع التكلفة الاجمالية للمشروع، لكنها لا تصل الى القيمة المضاعفة، الا ان هنالك العديد من الفوائد، أولها ان الشركات الأجنبية كثيرا ما تحرص على سمعتها الدولية، وبالتالي سينعكس على أدائها الكلي بصرف النظر عن البلد الذي تعمل فيه.
ثاني هذه الفوائد، ستكون هنالك بناية رصينة مشيدة وفق الطرز المعمارية الحديثة، تقدم خدماتها العلاجية لأجيال متعاقبة، بينما في الحالة الأولى، قد يكون عمر المبنى الافتراضي لا يتعدى العقد او العقد والنصف ويكون بحاجة الى صيانة لبعض مرافقه، وتبدأ من جديد رحلة الانفاق الدوري لتأهيل المباني.
في ضوء المعطيات السابقة والاطلاع على نتائج التحقيقات الماضية، فان الحكومة العراقية لن تتعلم الدرس في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد، والذي يجعله بحاجة الى ابتعاد عن النمطية المعهودة في إحالة وتنفيذ المشروعات التي تخدم المواطنين ولا تكون سببا في فقدان حياتهم، وعكس ذلك ستكون هذه الحادثة وغيرها من الحوادث شاهدة على الفشل الحكومي في مجال البنى التحتية التي تحولت الى قاتل علني لمراجعيها.
اضف تعليق