هل وصل السرطان في النظام السياسي العراقي نقطة اللاعودة؟ وهل سيقود رفض الصدريين لهذا النظام سواء في الشارع أو البرلمان الى سلسلة أحداث مشابهة لما أعقب رفض الطبقة الثالثة الفرنسية لإجحاف النظام السياسي لحقوقهم؟ سأترك الإجابة لكم لأنكم بلا شك تتلمسون ملامحها...
بعد أن فتح بطنه، خرج علينا صديقنا الطبيب الجراح في المستشفى التعليمي بالبصرة ليقول لنا نحن أبناؤه: أن السرطان قد أنتشر وبات استئصاله غير ممكن. كل ما أفعله أذا تدخلت جراحياً هو موت أسرع وألم أكبر. والدكم لديه فترة محدودة ليعيشها فليعشها بسلام. تذكرت ذلك الألم الذي عشناه أنا وأسرتي آنذاك حين كنت أقرأ اليوم تقريراً لمجموعة مفكرين يحللون فيه سبب سقوط الاتحاد السوفيتي.
قال أحدهم، أن غورباتشوف حاول متأخراً جداً وبعد أن وصل النظام الى نقطة اللاعودة أحداث اصلاحات فيه، ففكتته هذه الإصلاحات بدلاً من أن تنقذه. وأشار هذا المفكر الى وصف الفيلسوف توكفيل للظروف المشابهة التي أدت الى الثورة الفرنسية حيث أدت سلسلة إجراءات أراد منها لويس السادس عشر تحسين الأوضاع المتردية في فرنسا فقادت تلك الإجراءات الى دق آخر مسمار في نعش نظامه عام 1789.
ان بعض النظم السياسية مثل السرطان، أو قطعة القماش المتهرئة ستصل الى نقطة حيث يصبح علاجها سحقاً، ورتقها فتقاً. صراحةً، ورغم أعجابي الشديد بالفيلسوف الفرنسي الأصل توكفيل فأني لم أقرأ مقاربته للثورة الفرنسية وتفسيره لها. لكني حين قرأت ما كتبه قفزت الى ذهني مباشرةً الظروف التي نعيشها في العراق منذ سنين.
وناهيك عن أن مبادئ الثورة الفرنسية كانت مبادئ أنساني بامتياز يسعى لها كل أنسان بغض النظر عن ديانته أو أصله، الا أن أبرز ما لفت انتباهي في مقاربة توكفيل هو تأكيده على عبارة لامبيدوزا “كلما تغيرت الأشياء بقيت على حالها”! ففي الوقت الذي غيرت فيه الثورة الفرنسية أشياء كثيرة اجتماعية وسياسية، الا أنها أبقت الكثير من أسس النظام السابق دون تغيير. وفي الوقت الذي كانت الحرية والمساواة هي أبرز أهداف الثورة الفرنسية الا أن السنين التي أعقبتها مباشرةً لم تحقق للفلاحين والمحرومين ما كانوا يطمحون له.
ويعتقد توكفيل أن أبرز الأخطاء التي استمرت بعد الثورة هي استمرار الانقسام الاجتماعي والطبقي بحيث استبدلت الثورة طبقة النبلاء بطبقة من السياسيين الجدد الذين صاروا هم من يمتلكون الثروة والسلطة فقادوا الدولة الى سلسلة من الحروب وعدم الاستقرار والسياسات الاقتصادية التي زادت الفقراء فقراً وخلقت طبقة نبلاء السياسة الجدد! وهنا يبدو التشابه غريباً بين الحالة الفرنسية وحالتنا العراقية.
تغيير النظام
صحيح أن تغيير النظام السابق جاء بدبابة أمريكية، وليس ثورة شعبية، لكن من مهدت الدبابات والطائرات الأمريكية المنطقة الخضراء لهم كانوا من (الثائرين) على ظلم النظام السابق وممن وعدوا الشعب بعهدٍ جديد وحكمٍ رشيد. لكن ساكني الخضراء لا هم غيروا النظام، ولا هم رعوا الأنام. وحلّ تجار السياسة والدين محل تجار العروبة و(النصر) المبين.
وكل ما تحقق هو استبدال مقرات الفرق والشعب الحزبية بمقرات الأحزاب السياسية والدينية وميليشياتها الثورية. وبقت القصور الرئاسية على المواطنين عصية. وتم استبدال الخاكي والمسدس بالمحبس والمقدس. وحلّت الجيكسارات محل المرسيدسات، والحجي ومولاي محل رفيقي ودنياي. وبعد عشرين سنة من حكم أحزابٍ دينية، يفترض أن لا ترضى لهم الدنيّة، ما زال فقرائنا يعيشون على حصةٍ تموينية!
بقي أن أشير الى أن القشة التي قصمت بعير نظام لويس السادس عشر المتهالك كانت الهيئة أو الطبقة الثالثة في الجمعية الفرنسية العامة وهي هيئة الفلاحين وعامة الشعب. فقد رفضت هذه الهيئة سيطرة الطبقتين الأخريين (رجال الدين والنبلاء) على مصدر القرار ومصادرتها للإرادة العامة لأغلبية الشعب الذي هم يمثلونه. لذا قاد الفلاحون والفقراء الثورة في مرحلتها الأولى رغم كل التعقيدات التي حدثت بعد ذلك.
هنا أتساءل: هل وصل السرطان في النظام السياسي العراقي نقطة اللاعودة؟ وهل سيقود رفض الصدريين لهذا النظام سواء في الشارع أو البرلمان الى سلسلة أحداث مشابهة لما أعقب رفض الطبقة الثالثة الفرنسية لإجحاف النظام السياسي لحقوقهم؟ سأترك الإجابة لكم لأنكم بلا شك تتلمسون ملامحها.
اضف تعليق