وربما هذه التداعيات والمواقف السريعة جعلت من الصدر ان يتراجع في وقت قصير عن سيناريو تغيير النظام والدستور، داعيا الى إيجاد سيناريو ثاني يتمثل بالدعوة الى حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة، هذا السيناريو وان واجه نوعا من التحفظ من القوى الاجتماعية والسياسية التي تريد تغيير النظام السياسي...
دخلت العملية السياسية في العراق منعطفا جديدا وأصبحت تواجه سيناريوهات عديدة مع دخول اعداد كبيرة من المتظاهرين للمنطقة الخضراء للمرة الثانية، فيما تحول دخول المتظاهرين الى المنطقة الخضراء الى اعتصام نفذه بالمجمل اعداد من أنصار ومؤيدي التيار الصدري احتجاجا على اقصاءهم من تسنم الحكومة وزج خصومهم بشخصية تنتمي الى خصم التيار الصدري والمتمثل بمحمد شياع السوداني أحد أعضاء دولة القانون والعضو في حزب الدعوة، وسط انباء عن تسريبات لحكومته التي يظهر توزير شخصيات جدلية بالنسبة للتيار الصدري.
في الوقت الذي يعيش التيار الصدري حالة من السخط منذ انسحاب كتلته البرلمانية الفائزة بانتخابات تشرين الأول فيما تباينت مطالب المحتجين والمعتصمين بدأ طرح زعيم التيار الصدري في تغريدة له مطلب تغيير النظام والدستور على حد وصفه: "ان الثورة العفوية السلمية التي حررت المنطقة (الخضراء) كمرحلة أولى لهي الفرصة الذهبية لكل من اكتوى من الشعب بنار الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية، فكلي أمل أن لا تتكرر مأساة تفويت الفرصة الذهبية الأولى عام 2016"، مضيفاً بالقول "إن هذه فرصة أخرى لتبديد الظلام والظلامة والفساد والتفرد بالسلطة والولاء للخارج والمحاصصة والطائفية التي جثمت على صدر العراق منذ احتلاله وإلى يومنا هذا".
وذكر الصدر بأن الجميع على المحك، إما عراق شامخ بين الأمم أو عراق تبعي يتحكم فيه الفاسدون والتبعيون وذوو الأطماع الدنيوية بل وتحركه أيادي الخارج شرقاً وغرباً، وحينئذ ليس أمامي إلا الدعاء والبكاء على نهاية العراق التي باتت قريبة، محذرا في ذات الوقت من ان عدم نصرة الحركة الاحتجاجية هه فسيكون أسير العنف والمليشيات وما الى ذلك.
ونوه بأن "عراقكم عراق المقدسات وعراق الحضارة وعراق الجهاد وعراق الربيع الإصلاحي فلا تفوتوا الفرصة وإلا فلات حين مندم، لذا أدعو الجميع لمناصرة الثائرين للإصلاح بما فيهم عشائرنا الأبية وقواتنا الأمنية البطلة وأفراد الحشد الشعبي المجاهد الذين يرفضون الخضوع والخنوع وكل فئات الشعب لمناصرة الاصلاح رجالا ونساء وشيباً وشباباً وأطفالاً لا تحت لوائي أو قيادتي بل تحت لواء العراق وقرار الشعب، وإن ادعى البعض أن الثورة الحالية صدرية".
هذا السيناريو واضح من انه كان يستهدف تغيير النظام السياسي بالمجمل، لذا فكان له أصداء واسعة حتى خارج اتباع التيار الصدري، وعد بمثابة البيان رقم واحد في تغيير النظام السياسي، خصوصا في أوساط الرافضين للنظام السياسي الحالي ومن أبرزها قوى حراك تشرين الاحتجاجي فيما كان لبعضهم تحفظ وتوجس من تغيير الصدر لمطلبه هذا.
اما القوى السياسية الشيعية كالاطار التنسيقي فهي رفضت بالكامل دعوة الصدر ووصف الإطار التنسيقي التصعيد بأنه وصل حد الدعوة للانقلاب على الشعب والدولة وعلى العملية السياسية والانتخابات والشرعية الدستورية التي حظيت بدعم جماهيري مرجعي ودولي، وصوت عليها الشعب بأغلبيته المطلقة، كما وصف الإطار الأحداث بالأمر الخطير الذي يذكّر بالانقلابات الدموية التي شهدها العراق طيلة عقود ما قبل التغيير، ودعا في الوقت ذاته الى النزول الى الشارع وهو ما اثار مخاوف من نشوب صراع دموي ما بين قوى الاطار والتيار الصدري، وقد عاشت العاصمة بغداد ليلة عصيبة وسط اخبار وشائعات متضاربة.
من جانب اخر تحفظت القوى الكردية الرئيسية على دعوة الصدر، فقد قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري ان تغيير النظام والدستور يستوجب توافق وطني يرضي للمكونات والقوميات التي ساهمت في كتابة الدستور النافذ.
وربما هذه التداعيات والمواقف السريعة جعلت من الصدر ان يتراجع في وقت قصير عن سيناريو تغيير النظام والدستور، داعيا الى إيجاد سيناريو ثاني يتمثل بالدعوة الى حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة، هذا السيناريو وان واجه نوعا من التحفظ من القوى الاجتماعية والسياسية التي تريد تغيير النظام السياسي كونه وصل الى حد الفشل والانسداد السياسي، فقد واجه نوعا من المراوغة والتكتيك في المواقف من قبل القوى السياسية الممثلة داخل مجلس النواب فهي رحبت بشكل اولي بمطلب حل البرلمان، لكنها يبدو انها غير جادة في الذهاب الى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة معللة ذلك بانعقاد جلسات مجلس النواب واختيار حكومة جديدة على انقاض حكومة الكاظمي وهو مالم يوافق عليه الصدر كونه سيجعل الاطار التنسيقي محلا من جديد في تنصيب رئيسا للوزراء وهو ما يعني المماطلة وتعطيل مشروع الصدر وأهدافه من النزول الى الشارع.
فيما تمثل السيناريو الثالث بدعوة رئيس مجلس الوزراء الكاظمي في الدعوة الى الحوار وهو وان لم تتضح دعوته فقد فهم منها استمرار حكومته لفترة مؤقتة فيما يذهب مجلس النواب بعد فترة الى تشريع قانون للانتخابات وتعديلات على مفوضية الانتخابات ومن ثم الذهاب الى انتخابات مبكرة.
ويتمثل السيناريو الرابع وقد لا يبدو الأخير ذهاب الصدر الى خيار حل مجلس النواب عبر المحكمة الاتحادية عبر اصدار فتوى تحل بموجبها مجلس النواب وتحدد مجلس النواب وهي دعوة وان كانت تصطدم بالمادة (٦٤ اولاً): يحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلب من ثلث اعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ويبدو ان الصدر في ذهابه الى هذا السيناريو أدرك صعوبة عقد جلسات لمجلس النواب ليحل نفسه لرفض اغلب القوى السياسية الممثلة داخل مجلس النواب في حل المجلس، كما انه يعول على رأي المحكمة الاتحادية خصوصا مع الخروقات الدستورية الحاصلة منذ ما يقارب تسعة أشهر من اجراء الانتخابات البرلمانية إضافة الى تعطيل عمل المجلس وعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيسا لمجلس الوزراء.
وكل الاحتمالات واردة في تحقيق هذا السيناريو من عدمه وفي حالة نجاح الصدر في هذا السيناريو استطاع ان يحقق ما يريد من انتفاضته ودخوله للمنطقة الخضراء وان كانت التوقعات تصورات ما هو ابعد من ذلك، اما إذا ما فشل هذا السيناريو فهذا يعني نحن امام سيناريوهات جديدة منها التصعيد في سلم المطالب او اللجوء حتى الى عودة النواب المستقيلين وان كان مستبعد وغير مطروح لغاية الآن.
اضف تعليق