لا يوجد لدينا شخص يعرف انه سيكون رئيس وزراء قبل ان يكلف رسميا بتشكيل مجلس الوزراء. ولكنه سيكون مشغولا في هذه الفترة باختيار الوزراء، واذاً لن يكون لديه الوقت الكافي لاعداد منهاجه الوزاري بشكل مدروس. وهذا ما حصل مع كل رؤساء الوزارات السابقين بلا استثناء. ولهذا جاء منهاجهم الوزاري ركيكا...
حسب المادة ٧٦/ رابعا من الدستور "يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة."
والمفترض في بقية فقرات هذه المادة ان يعد رئيس الوزراء المرشح منهاج وزارته خلال ٣٠ يوما من التكليف، لانه لا يوجد لدينا شخص يعرف انه سيكون رئيس وزراء قبل ان يكلف رسميا بتشكيل مجلس الوزراء. ولكنه سيكون مشغولا في هذه الفترة باختيار الوزراء، واذاً لن يكون لديه الوقت الكافي لاعداد منهاجه الوزاري بشكل مدروس. وهذا ما حصل مع كل رؤساء الوزارات السابقين بلا استثناء. ولهذا جاء منهاجهم الوزاري ركيكا.
والامر نفسه ينطبق على الاخ محمد السوداني الذي رشحه الاطار التنسيقي لهذا المنصب. وسوف يتاح له من الزمن اكثر مما اتيح لمن سبقه بسبب انتظار انجاز الخطوة الثانية وهي انتخاب رئيس الجمهورية وهي متوقفة على اتفاق الاكراد على مرشحهم لهذا المنصب بموجب المحاصصة المكوناتية غير الدستورية للنظام السياسي العراقي.
وقد سبقني اساتذة اخرون الى الحديث عن هذا الامر منهم الاخ السيد مهدي علي خان المدني. لكني اريد ان اوضح هنا ان اي منهاج وزاري يجب ان يقسم مفرداته على ثلاثة عناوين وهي: الفقرات عاجلة (للسنة الاول)، والفقرات المتوسطة (للسنوات الاربع)، والفقرات بعيدة المدى (لما هو أكثر من اربع سنوات). وعلة هذا التقسيم تكمن في الزمن الذي تحتاجه الفقرة الواحدة للتنفيذ وليس المقصود تقسيمها الى مراحل، بمعنى عدم الشروع بالمتوسطة مثلا قبل الانتهاء من العاجلة. ولهذا يجب ان يبدأ العمل بالعناوين الثلاثة كلها منذ اليوم الاول لتولي الحكم.
نستطيع ان نتصور ان الفقرات العاجلة تتضمن الامور التي ينتظر المواطن ان يلمسها خلال وقت قريب وسريع مثل الكهرباء، والماء، والبطالة، والفساد، وما شابه من امور لا ينبغي ان يستغرق العمل لإنجازها أكثر من السنة الاولى. وهذا ينطبق على الفقرات المتوسطة والبعيدة.
الامر المهم الذي اريد ان اشدد عليه في هذا المقالة هو الرؤية الشاملة التي ينبغي ان تجمع بين هذه الفقرات. وأعني بذلك ان رؤية المنهاج الوزاري لهذه الفقرات يجب ان تكون مترابطة ومتكاملة مما يمكن ان نطلق عليه اسم "الفكرة الحاكمة"، وهي الفكرة الغائبة عن كل الحكومات السابقة. كانت الحكومات السابقة تتعامل مع قضايا الدولة والمجتمع بالمفرد، مثل صاحب دكان المحلة، وهذا نقص خطير في بناء المنهاج الوزاري الذي ينبغي ان يتعامل مع هذه القضايا مثل تاجر الجملة او "السوق الشامل".
ويمكن لكاتبي المنهاج الوزاري ان يفكروا بعدة نماذج للفكرة الحاكمة. لكن الحقيقة ان هذه النماذج لا تخرج عن اثنين، اما نموذج الدولة الحضارية الحديثة، او غيرها. وانا ادعو الاخ محمد السوداني ان يفكر باتجاه الدولة الحضارية الحديثة. ولتسهيل الامر عليه اقول له ان الباب الثاني من الدستور مثلا يحتوي الكثير من افكار الدولة الحضارية الحديثة، وكذلك هناك مواد اخرى، ويمكنه ان يسترشد بهذه المواد لتركيب منهاجه الوزاري على اساس اطروحة الدولة الحضارية الحديثة.
ويمكن له ان يستعين بالعدد الكبير من المفكرين والاساتذة في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والثقافة وغيرها ممن يزخر بهم المجتمع العراقي لصياغة منهاجه الوزاري بطريقة وشكل ومضمون يمكن ان يسفر عن دفع عجلة الدولة العراقية باتجاه الدولة الحضارية الحديثة. وإذا جاز لي ان أقدم نصيحة ما اليه فاني ادعوه الى عدم تكرار اخطاء من سبقه ممن تولوا هذا المنصب الهام حين حصروا افق تفكيرهم بالتقليدي من الافكار وبالعدد القليل من الاقارب والاصدقاء.
اضف تعليق