من أخطر ما اشتغل عليه الاعلام التعبوي بمختلف توجهاته، هو محاولته تدجين العقل الجمعي العراقي باتجاه مفاهيم معينة، اراد لها ان تكون قارّة وتصبح قاعدة للتفكير السياسي وغير السياسي أيضا، لقد اصبحت عبارات مثل هناك توافق اقليمي ودولي على تسمية فلان رئيسا للوزراء...
من أخطر ما اشتغل عليه الاعلام التعبوي بمختلف توجهاته، هو محاولته تدجين العقل الجمعي العراقي باتجاه مفاهيم معينة، اراد لها ان تكون قارّة وتصبح قاعدة للتفكير السياسي وغير السياسي ايضا!
لقد اصبحت عبارات مثل (هناك توافق اقليمي ودولي على تسمية فلان رئيسا للوزراء) او (هناك اتفاق بين هذه الدولة الاقليمية وتلك على تمرير المرشح الفلاني) بالإضافة الى ما يبثه بشكل يومي عن ضرورة اتفاق الاطراف الخارجية على كذا وكذا في العراق، مع ان هذا الكذا والكذا من تفاصيل واجبات الدولة العراقية وضمن مهامها الحصرية.
استمرار هذه الثقافة الاعلامية الموجهة والمتكئة على واقع سياسي عراقي مربك، وبطريقة لا تخلو من مكر، ولنحو عقدين جعل البعض يعتقد ان العقل الجمعي العراقي بات يتعامل مع موضوعة السيادة والدولة، كما لو انها جزء من مشاغل دول اخرى قريبة وبعيدة، ومن ثم الاقرار بالأمر الواقع وعدم الشعور بالحرج منه!
حتى جاءت ثورة تشرين المباركة التي كانت صرخة ايقظت ليس الشعب العراقي الذي لم ينم او ينسجم مع هكذا ثقافة مسخ، بل ايقظت الساسة الذين تخدّروا وسط هذا الخراب، فصحوا فزعين على الصيحة المدوية (نريد وطن)! وانتبه الجميع في الخارج ايضا الى ان هناك حقيقة ثابتة اغفلوها، وهي ان شعبا حرا بنى دولته بالعرق والدم والكفاح طيلة قرن من الزمن وسبق الكثير من دول المنطقة وعلّمها كيفية بناء الدولة وما أسسها المادية والمعنوية، لا يمكن تدجينه بسهولة.
اليوم وعلى الرغم مما يسمى بالانسداد السياسي، لم يعد هناك من يأتي من دول الاقليم ليشكل لنا حكومة وفقا لما يريد، كما كان قبل ثورة تشرين، لكن البعض بيننا مازال يعتقد ان مصير العراق بالكامل مازال رهن الارادات الخارجية، وهذا الفهم السطحي للأمور يحتاج الى وقفة، فمن دون ادنى شك لا توجد دولة في العالم بما فيها اميركا نفسها، لا تتأثر بمعطيات الواقع الدولي وتستجيب لتقلباته، لكي تتجنب الانشغال بمعارك جانبية لا ضرورة لها، وهذا من صميم العمل السياسي ولا يعد استسلاما لأحد، فمصالح الشعوب متشابكة والحكومات تبحث دوما عن ما يؤمن تلك المصالح ولو بتنازلات متبادلة.
العراق مازال يعاني من اهوال ثلاثة عقود وأكثر، وله مصالح مشتركة مع الجميع قريبين وبعيدين، وإذا توافقت مصالح بلادنا مع اية دولة ووجدنا فيها عامل مساعدة او استنهاض فلا بأس من ان نمد لها ايدينا، لا لنشحذ منها لأننا اغنياء بأنفسنا وبثرواتنا، بل لنستفيد معا مما يحققه لنا هذا التعاون.
نعم ان هناك من ينام ويصحو على نظرية المؤامرة والاعتقاد بان كل شيء في ايدي الكبار وهذا امر لا نعترض على صحته فيما يخص الخطوط العريضة في السياسة الدولية، لكن تبقى الارادة الداخلية لأي بلد وشعب هي من تحدد كيفية تعامل الاخرين معه، ومهما كان البلد ضعيفا اذا ما وجدت فيه اية دولة قوية ارادة داخلية قوية، ستحترمه او ستتعامل معه وفقا لهذه الحسابات والعكس صحيح ... فلنكف عن اشاعة ثقافة الاستسلام والتيئيس وتدجين العقول.. لان الحياة اوسع بكثير مما يتصور البعض ... والسياسة لعبة الاذكياء والحركيين وليس الاغبياء والخاملين ابدا.
اضف تعليق