فيما تبدو هناك ابعاد أخرى منها الأطراف التي تريد ان تسن هذا القانون ان تصل برسالة من ان لا أحد يزايدها على أهمية رفض كل مشاريع التطبيع بغض النظر ما قد يثيره القانون من تداعيات داخلية وخارجية، وأنها لا تزال على مواقفها السابقة والثابتة من الصراع العربي الإسرائيلي...
أقر مجلس النواب العراقي بدورته الجديدة قانون حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع إسرائيل، بعد ان عرض للقراءة الأولى خلال الأسبوع الماضي داخل المجلس، يأتي هذا المشروع في ضوء تصاعد عنصرين اساسين أحدهما يشمل المنطقة الإقليمية والأخر يخص الشأن المحلي العراقي.
التطبيع مع إسرائيل يعني رفع كل القيود بين الدولة المطبعة، وإسرائيل من ضمنها توقيع معاهدات تؤكد على السلام الدائم، والتعاون بما في ذلك المجالات الأمنية والاقتصادية وحتى السياسية.
تصاعدت نزعة التطبيع خلال العقد الأخير بعد ان كان العرب ينظرون الى إسرائيل كيان مغتصب ومعتدي على حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وحريته، وارجاع إراضيه والاقرار بحق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذهبت عدد من الأنظمة السياسية في المنطقة العربية الى خيار التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية وسياسية مع إسرائيل، في ظل تجاذبات إقليمية، وتوترات امنية، ورفض شعبي، خصوصا وان هناك تكتل إقليمي لا يزال يؤكد على خيارات المقاومة، ورفض أي شكل من اشكال التطبيع وبعناوين وشعارات عريضة يوظف فيها السياسي بالوطني والشعارات الدينية والقومية والنضالية وما الى ذلك، وبات هناك تشكيك وجدل حول مسألة التطبيع تحت مسميات وذرائع وتهم مختلفة.
ومن ضمن ذلك ما تشهده الساحة السياسية في العراق من جدل وتهم متبادلة حول التطبيع او الانضمام الى مشاريع تشجع او تدعم التطبيع، ومن ذلك مؤتمر الترويج للتطبيع في أربيل العام الماضي والذي اثار موجات غاضبة من ردود الأفعال والمواقف ترجمت على الأرض من خلال التنديد والمتزامن والشامل لكل الأطياف العراقية، من مؤسسات رسمية من القوى والأحزاب السياسية، والشخصيات وحتى العشائر، والتي أكدت ثبات الموقف العراقي الرافض لأي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي أو التسويق لأي تواصل عراقي إسرائيلي في المستقبل.
وفي ظل الازمة السياسية التي يعيشها العراق ما بين أبرز اقطاب العملية السياسية من قوى وكتل سياسية حيث يحاول طرف ما ان يخون الأطراف الاخرى تحت ذرائع سياسية او بناء على شكل التحالفات السياسية المشكلة بعد انتخابات تشرين عام 2021.
ربما قد تكون هذه المعطيات سببا اساسيا في الدعوة الى إقرار مشروع يحرم ويحظر التطبيع مع إسرائيل، ورفع الحرج الذي تريده اطراف قريبة من ايران بإحراج اطراف أخرى تتهم بقربها من دول عربية خصوصا الخليجية منها، بهذا الموضوع، بناء على شكل التحالفات والعلاقات الإقليمية مع بلدان عربية وإسلامية، طرحت فكرة إقرار قانون حظر التطبيع مع إسرائيل اول مرة قبل اقل من شهر من تاريخ الان من قبل السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري واحد التكتلات الشيعية الأساسية المنضوية في التحالف الثلاثي، حيث جاء في تغريدة له: "إنّ من أهم الأسباب التي دعتني إلى زجّ التيار الصدري في العملية الانتخابية مجدَّداً، مسألة التطبيع والمطامع الإسرائيلية في الهيمنة على عراقنا الحبيب". وأضاف "من هنا، ستعلن الكتلة الصدرية، مع حلفائها في الفضاء الوطني قريباً، مقترحَ مشروع لتجريم التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني مطلقاً، ثم طرحه تحت قبّة البرلمان للتصويت عليه".
فعلاً ما اقترحه السيد الصدر أصبح مع الملفات المهمة على جدول اعمال مجلس النواب، بل اخذ اعتراف رسمي من رئاسة المجلس من خلال ادلاء السيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي في مؤتمر المجالس النيابية العربية المنعقد في مصر في خطابه اثناء المؤتمر من عزم العراق إقرار قانون يحظر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ويجرمه.
يتكون مشروع القانون من (10) مواد، حددت المادة الأولى منها الهدف من القانون الى تحقيق الأهداف الاتية: تجريم التطبيع مع إسرائيل بأي شكل من الاشكال، ومنع إقامة العلاقات الدبلوماسية او السياسية او العسكرية او الاقتصادية او الثقافية او أي شكل من اشكال العلاقة مع إسرائيل، فيما اشارت المادة الثانية الى سريان مواد القانون فقد شملت ثمانية جهات محلية وخارجية ومن ضمنها الشركات والدول التي تتعاطي وتطبع مع إسرائيل، فيما دعا نواب الى مراجعة هذه المادة فيما قد تثيره من تداعيات مستقبلية على مختلف المجالات، فيما نصت المادة الثالثة والرابعة والخامسة على عقوبات وصلت الى حد الاتهام بالخيانة العظمى، وإنزال اشد العقوبات تصل الى المؤبد والاعدام، وجاءت المادة السادسة بتحذيرات شديدة الى الدول والجهات والمنظمات من التعامل مع إسرائيل وتأثير ذلك على العراق، اما المادة الثامنة فقد نصت على منع المنشورات والمؤلفات التي تروج للتطبيع مع إسرائيل فيما نظمت المادتين التاسعة والعاشرة المسائل الإجرائية.
فيما تبدو الابعاد السياسية لإقرار قانون حظر التطبيع مع إسرائيل واضحة من المواقف العراقية الرسمية سابقا وحاليا الرافضة للوجود السياسي والعسكري والأمني لإسرائيل في فلسطين باعتبارها كيانا غاصبا، فيما تشكل القضية الفلسطينية محورا أساسيا في خطابات وسلوكيات وذهنية الشخصية العراقية، فيما تبدو هناك ابعاد أخرى منها الأطراف التي تريد ان تسن هذا القانون ان تصل برسالة من ان لا أحد يزايدها على أهمية رفض كل مشاريع التطبيع بغض النظر ما قد يثيره القانون من تداعيات داخلية وخارجية، وأنها لا تزال على مواقفها السابقة والثابتة من الصراع العربي الإسرائيلي والموقف العراقي المؤيد للقضية الفلسطينية والرافض لأي شكل من اشكال التطبيع العربي الإسرائيلي.
وان ما يذكر من اتهامات فيما يخص كل الموضوع الإسرائيلي من تطبيع وما شابه لا يعد محاولات تسقيطية سببها الصراع على السلطة ومحاولة فرض معادلة جديدة في العملية السياسية في العراق.
اضف تعليق