ولتمكين الناس من الحصول على الغذاء، يجب ضبط الاسعار ومنع الاحتكار او استغلال التجار، اضافة الى زيادة القدرة الشرائية للمواطنين. حتى هذه اللحظة، فان كل تصرفات الحكومة تسير على العكس من ذلك الامر الذي ادى الى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. وهذا يضرب بالصميم الركيزة الثانية للآمن الغذائي...

بعيدا عن المواقف السياسية المختلفة، والشد والتوتر بين الاطراف السياسية، والانسداد السياسي، بعيدا عن كل هذا، فان مقترح قانون الامن الغذائي الذي يقال ان عددا من النواب قدموه الى رئاسة البرلمان، لا يعالج مسألة الامن الغذائي لا من قريب ولا من بعيد.

ابتداءً، يحق للنواب التقدم بمقترحات قوانين، حسب المادة (60/ ثانيا) من الدستور الدائم التي تقول: "مقترحات القوانين تقدم من عشرةٍ من اعضاء مجلس النواب، أو من احدى لجانه المختصة" على ان يتم ذلك بالتنسيق مع الحكومة اذا كان القانون ذا جنبة مالية، حسب توضيح المحكمة الاتحادية. ونتوقع ان توافق الحكومة على المقترح لانها هي التي قدمت مشروع القانون بالاصل، قبل ان تعلن المحكمة الاتحادية ان حكومة تصريف الاعمال لا يحق لها القيام بذلك. ومن هنا يمكن القول ان مقترح القانون هو في حقيقة الامر التفاف دستوري على قرار المحكمة الاتحادية.

وحتى لو تجاوزنا هذه الاشكالية الشكلية، فان مقترح القانون بعيد جدا عن مفهوم الامن الغذائي. ببساطة، وبدون الدخول بتفاصيل وتعقيدات، فان الامن الغذائي يعني توفير الطعام بشكل يحمي الناس من القلق والخوف من الجوع. ووفقا لمنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) فان الامن الغذائي يتحقق باربع ركائز هي: التوافر، والقدرة علي الحصول عليه، والاستخدام، والاستقرار. وهذا هو بالضبط ما يتعين على الدولة (الحكومة) القيام به. وهذا هو بالضبط ما لا يقوم به مقترح القانون لاسباب الله اعلم بها، وقد يكون من ضمنها ان الذين فكروا وصاغوا القانون لا يفكرون بهذا الاتجاه.

يتوفر الغذاء بطريقتين: الانتاج والاستيراد، ثم بتمكين الناس من الحصول عليه، وهذه الامكانية مرتبطة بالقدرة الشرائية، وهذه مرتبطة بقيمة العملة المحلية والتضخم والاسعار.

لا يوجد في القانون ما يشجع على انتاج الغذاء، زراعة او صناعة. تتوفر لدى العراق الان وفرة مالية بسبب فارق سعر النفط المقدر في الميزانية الاتحادية وبين سعره في السوق العالمية. ويمكن استخدام هذا الفائض في مشاريع لزيادة انتاج الغذاء، وخاصة في مجال الزراعة، وتربية الحيوانات، والصناعات المرتبطة بها مثل الالبان والتعبئة. يمتاز العراق بعدد شبابه الكبير، كما يمتاز بارتفاع نسبة البطالة. ويمكن معالجة الامرين باطلاق مشاريع زراعية وصناعية بتمويل حكومي ميسر لتحقيق امرين في ان معا: اولا تشغيل الشباب باعمال انتاجية وليست مكتبية، وزيادة انتاج الطعام زراعةً وصناعةً. كل هذا كان غائبا بالكامل عن مقترح القانون. وهذا يضرب بالصميم الاساس الاول للامن الغذائي.

ولتمكين الناس من الحصول على الغذاء، يجب ضبط الاسعار ومنع الاحتكار او استغلال التجار، اضافة الى زيادة القدرة الشرائية للمواطنين. حتى هذه اللحظة، فان كل تصرفات الحكومة تسير على العكس من ذلك الامر الذي ادى الى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. وهذا يضرب بالصميم الركيزة الثانية للآمن الغذائي.

ومما يزيد الطين بله ويفاقم الازمة ان الاطراف السياسية لا تتردد في استخدام مشكلة الغذاء كورقة سياسية رغم ان مؤتمر القمة العالمي للأمن الغذائي لعام 1996 اعلن أنه "لا يجب استخدام الغذاء كأداة للضغط السياسي والاقتصادي". لكن للاسف يمكن للمراقب المحايد ان يلاحظ ان ما يجري هو العكس تماما.

والان ما العمل؟

بموجب المادة ٦٤ من الدستور، فان من واجب مجلس الوزراء الحالي الذي تحول الى حكومة تصريف اعمال ان "يواصل تصريف الامور اليومية". وبلا شك وخلاف في ان توفير الغذاء للناس هو من اهم الامور اليومية التي على الحكومة القيام بها، سواء عن طريق انتاجه محليا، او استيراده، وتمكين المواطنين من الحصول عليه بطريقة مستمرة ومستقرة وباعثة على الامن والاطمئنان. وهذا لا يحتاج الى مقترح القانون المذكور!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق