q
حين ينتظر الشارع أي مبادرة من هذه المبادرات (الصدرية، الاطارية، المستقلة) والتحالفات المنضوية فيها من كل المذاهب والاتجاهات السياسية والقومية، بعين من الترقب والحذر، وربما حتى الرضا، شريطة ان تحقق له أهدافه في التنمية والاعمار والخدمات والقضاء على الفساد الإداري والمالي والروتين وتنشيط القطاعات الزراعية والصناعية...

عرضت مؤخراً عدد من المبادرات السياسية امام حالة الانسداد السياسي التي تشهدها العملية السياسية في العراق بعد الانتخابات النيابية التي جرت في تشرين الأول من عام 2021 ومرور ما يقارب سبعة اشهر من اعلان نتائج الانتخابات، ومن ذلك ما شهده البرلمان بعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه.

ومع التعثر الحاصل في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين حسب تفسير المحكمة الاتحادية، وهو ما يعني عدم تمكن تحالف الأغلبية الوطنية المتمثل بإنقاذ وطن من تمرير رئيس الجمهورية، في حين يقف تحالف او تجمع الاطار التنسيقي بالضد من مشروع الصدر، اما الكتلة الثالثة فتتمثل بالمستقلين الذين يعانون من التشرذم وعدم وضوح الرؤيا والمواقف خصوصا مع الانقسام الحاصل بينهم ما بين توجهات سياسية مع بعض الفرقاء السياسيين وما بين طموحات شخصية وسياسية وما بين القلة القليلة التي حضرت جلسات مجلس النواب لاختيار رئيس الجمهورية، لكن ذلك لم يمكن التحالف الثلاثي من تمرير مرشحه لرئاسة الجمهورية ومن ثم مشروعه السياسي والوزاري، وامام إصرار الصدر، وتقديمه فرصة لقوى الاطار التنسيقي طوال فترة أربعين يوما خلال شهر رمضان وما بعدها.

عاد الصدر ليطرح مبادرة سياسية تنص على منح المستقلين 15 يوماً لتشكيل الحكومة الجديدة بغية تجاوز أزمة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد منذ شهور، وعرض زعيم التيار الصدري، الأسبوع الماضي، دعوة إلى القوى المستقلة في جميع صفوفهم بما يكفي لكسر الثلث المعطل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم التقدم لتقديم الكابينة الوزارية شريطة أن تنال القبول من قبل الكتلة الأكبر نيابياً. يتراوح عدد المستقلين الذين حملتهم الانتخابات التشريعية في تشرين الأول الماضي بـ40 نائباً ينتظم بعضهم في تكتلات وتحالفات، في تقدم لم تشهده الدورات النيابية الأربعة الماضية ما بعد 2003.

من جانبه دعا الإطار التنسيقي قبل ساعات قليلة من اعلان الصدر مبادرته الجديدة بعد مهلة الأربعين يوما لقوى الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، اذ جاء في مبادرة الإطار دعوة جميع الأطراف إلى "الجلوس إلى طاولة الحوار، ومناقشة الحلول والمعالجات من دون شروط أو قيود مسبقة"، مؤكداً ضرورة بذل الأحزاب الكردستانية جهوداً للتفاهم والاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية.

وقال البيان: "تماشياً مع الدستور، ومراعاةً لحق الأكثرية، يجب الحفاظ على حق المكون الأكبر مجتمعياً (المكون الشيعي) وهو مفهوم كثيرا ما وظفه الإطار التنسيقي في مشروعه السياسي لمواجه مشروع الصدر، من خلال ما سماه كتلة المكون الأكبر المتحالفة، لتكوين الكتلة الكبرى، ومن ثم الاتفاق على ترشيح رئيس الوزراء". وأكد أن القوى المشاركة في الحكومة من الكتلة الكبرى ستتحمل نتيجة فشل رئيس الوزراء أو نجاحه، مشدداً على أهمية قناعة الكتلة ببرنامجه السياسي ومؤهلاته وكفاءته قبل اختياره والموافقة عليه.

ودعا الإطار النواب المستقلين إلى "تقديم مرشح لإدارة البلاد، شرط أن يدعم من قبل جميع الكتل الممثلة للمكون الأكبر، والمشكلة للكتلة الأكثر عدداً"، وقال: "من خلال هذه المبادرة تحسم موضوع الرئاسات الثلاث، عبر تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم، مع ضرورة أن يتعامل الجميع مع مفهوم الأغلبية الراغبة في المشاركة، وكذلك المعارضة الراغبة بالمراقبة، على أن تمرّ جميع الرئاسات بمسار واحد، وهو الأغلبية الراغبة التي يطمئن لها الجميع".

وفي خضم النقاشات المحتدمة، كشف النائب حسن العذاري رئيس الكتلة الصدرية النيابية والمقرب من السيد الصدر، في تغريدة له على تويتر، رفض بعض المستقلين لتلك المبادرة". وأضاف العذارى: "إننا ماضون بالإصلاح وما صراعنا السياسي إلا صراع من أجل الإصلاح لا من أجل تقاسم مغانم السلطة"، لافتاً إلى أن "من أهم بوادر الإصلاح هي مطالباتنا التي لا تزول بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، بعيداً عن تقاسم السلطة والتوافقات التي أضرت بالبلاد والعباد". وهو ما يعني ان التيار الصدري بتحالفه مع القوى الكردية والسنية لم يترك الساحة اذا ما اخفق المستقلين في تحقيق اهداف مبادرة الصدر.

من جانب ثالث تلقت شخصيات وقوى مستقلة المبادرتين (الصدرية، والاطارية) بآراء ومواقف مختلفة، حيث رحبت بعض القوى المستقلة بمبادرة الصدر وتدارست مبادرة الاطار التنسيقي وبينت شخصيات مستقلة بانهم ستكون لديهم مبادرة تكتب، موضحين أن النواب المستقلين لا يهمهم من يترأس الحكومة بقدر ما يكون، ما نوع الحكومة وشكلها ولونها؟ وهذا يجب أن يتمحور في اساسيات برنامجها الحكومي.

عموما، تريد الشخصيات المستقلة ان تطرح مبادرة موازية ما بين المبادرتين قوامها عدم الاعتماد على القوى السياسية من كلا الفريقين، في حين رفض بعض الشخصيات المستقلة كلا من المبادرتين وحتى المبادرة الموازية للقوى المستقلة.

ومما تقدم يبدو ان القوى المستقلة تمر بحالة من التشرذم والارباك والتشتت وأيضا الميول الحزبية والسياسية، وهذا ما سيوقعهم في تصادم مع جمهورها قبل غيره لاسيما وأنهم يمثلون بيضة القبان في تشكيل الاستحقاقات الدستورية، من هنا على القوى المستقلة ان تتعامل ببراغماتية مع الوضع السياسي في العراق بما يحقق ما جاء في برامجهم ووعودهم امام جمهورهم.

في حين لابد للقوى الوطنية الاخرى الراغبة بالتغيير ان تبرهن عن عملية ووطنية مشروعها السياسي بما يحقق اهداف عليا مثل القضاء على الفساد والمحاصصة الحزبية، وتقديم الخدمات وبناء الدولة واعمارها وانشاء المشاريع السيادية وما الى ذلك خاصة تلك القوى التي عرضت مشروع سياسي قائم على أساس الأغلبية الوطنية، من جانبها على القوى الأخرى التي لا تزال تعول على الطائفية السياسية بعناوينها المختلفة ان تجدد من خطابها السياسية وان تعرض مبادرات سياسية قائمة على أساس معالجة مشاكل العملية السياسية وفي مقدمتها الفساد والمحاصصة والانتقال من الدولة الغنية الى دولة القوانين والحكم الرشيد.

في حين ينتظر الشارع أي مبادرة من هذه المبادرات (الصدرية، الاطارية، المستقلة) والتحالفات المنضوية فيها من كل المذاهب والاتجاهات السياسية والقومية، بعين من الترقب والحذر، وربما حتى الرضا، شريطة ان تحقق له أهدافه في التنمية والاعمار والخدمات والقضاء على الفساد الإداري والمالي والروتين وتنشيط القطاعات الزراعية والصناعية، والعيش بدولة تحترم مواطنيها والعيش بحياة حرة كريمة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2022 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق