q
المجتمع الذي لا تهمه مسألة الشرعية لا يمكن ان يسلك الطريق الصحيح المؤدي الى الإصلاح، وذلك لان الرغبة بالاصلاح، بل الحاجة اليه، لا يمكن ان تتم وفق طريقة لا تتمتع بالشرعية السياسية. ولا يمكن معالجة حالة سيئة باجراء لا يتمتع بالشرعية. نحتاج الى ان نتعود على ذلك...

اعتاد الناس في العراق على تغيير الحكومات بمعزل عن ارادتهم منذ ١٤ تموز من عام ١٩٥٨. على مدى ٤٧ سنة اعتاد الناس على سماع تغيير الحكومات من خلال الراديو او التلفزيون. واعتاد الناس على تقبل ان يتم استبدال الحكام دون الرجوع الى الشعب. وادى هذا الاعتياد الى غياب فكرة الشرعية السياسية المستندة الى الشعب عن الوعي السياسي العام. والشرعية السياسية تعني استناد الحكام الى الارادة الشعبية والرضا الشعبي الذي يمكن معرفته من خلال الاستفتاء العام او من خلال الممثلين المنتخبين للشعب. ويتم عادة اتخاذ الدستور مرجعية عليا للشرعية السياسية. ومن هنا قالت المحكمة الاتحادية ان مؤسسات النظام الديمقراطي كالبرلمان تستمد شرعيتها من الالتزام بالدستور وتطبيق احكامه.

بعد سقوط النظام الدكتاتوري في ٩ نيسان من عام ٢٠٠٣ تغيرت الصورة. فقد تم الاستفتاء على الدستور الدائم لاول مرة في عام ٢٠٠٥ وأصبح تشكيل الحكومة يتم عبر مجلس النواب المنتخب. وتم اعتماد النظام الديمقراطي البرلماني. وبذا يفترض ان الحكم في العراق اخذ يستند الى الشرعية السياسية الشعبية. وهو الامر المتبع في كل الدول الديمقراطية الحديثة. وعلى سبيل المثال تقول المادة ١٥ من الدستور الياباني "يمتلك الشعب الحق الثابت في اختيار مسؤوليهم الرسميين وفي عزلهم". ولم يعد من السائغ في الانظمة الديمقراطية تولي اي منصب عام او القيام باي عمل يتعلق بالاخرين دون الرجوع الى الناس واخذ موافقتهم. ويتم الالتزام بهذا المبدأ في بريطانيا بادق التفاصيل.

على المستوى العراقي، يبدو ان ١٧ سنة ليست كافية لتكريس مسألة الشرعية السياسية في اذهان الناس. وقد ادت عيوب التأسيس وسوء الاداء الى حذف هذه المسألة من اذهان الناس. ولم يتم تقديم صورة جميلة للديمقراطية المستندة الى الارادة الشعبية. ولذا نجد في الكثير من التعليقات والمقترحات التي يكتبها الناس في مواقع التواصل الاجتماعي تجاهلا تاما لفكرة الشرعية السياسية. فكثيرا ما يقدم بعض الافراد مقترحات مثل تشكيل حكومة طواريء او ما شابه دون التفكير بالجهة المخولة دستوريا بالقيام بذلك، اي دون التفكير بالغطاء الشرعي لمثل هذه المقترحات.

قبل ايام نشرت منشورا في صفحتي في الفيسبوك جاء فيه:" المجتمع الذي لا تهمه مسألة الشرعية لا يمكن ان يسلك الطريق الصحيح المؤدي الى الاصلاح". وذلك لان الرغبة بالاصلاح، بل الحاجة اليه، لا يمكن ان تتم وفق طريقة لا تتمتع بالشرعية السياسية. ولا يمكن معالجة حالة سيئة باجراء لا يتمتع بالشرعية. نحتاج الى ان نتعود على ذلك، لان احد اسباب الخراب في العراق يكمن باعتماد الاساليب غير الشرعية في التغيير.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق