استأثر الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) بنصيب الأسد في المحادثات التي أجراها جون كيري مع نظرائه الستة، وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي... الاجتماع وصِفَ بأنه "متابعة" لمقررات قمة كامب ديفيد التي استضافها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وحضرها اثنان من قادة الدول الستة، فيما تمثلت الدول الأربع الباقية، برجال الصف الثاني في السلالم القيادية لتلك الدول.
انتهى الاجتماع إلى ما يُرضي مختلف الأطراف... خرج الوزير القطري خالد العطية متحدثاً باسم زملائه، مشيداً بالاتفاق الذي سيسهم في حفظ أمن الخليج واستقراره، من دون أن ينسى الاستطراد الضروري برفض دول المجلس التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية... تطور لم تكن واشنطن تنتظر أكثر منه، لكنها في المقابل، حرصت على "ترجمة" خطاب الضمانات الذي نطق أوباما في كامب ديفيد، إلى جملة من الإجراءات العملية: تسريع مبيعات السلاح النوعي، وتطوير منظومة صاروخية مدمجة، تدعيم قدرات الصدّ البحري لدول المجلس، تعاون استخباري أكثر كثافة وفاعلية، وتعاون في مجالات التدريب والتأهيل والمناورات المشتركة... طبعاً، جون كيري لم يفوته "تطييب خواطر" زملائه الستة، فانتقد دور إيران في دعم الإرهاب في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان... عند هذه النقطة، بدت المواقف متقاربة، وحصل كل فريق على ما جاء من أجله.
لكن المحادثات كما هو معلوم، لم تتوقف عن برنامج إيران النووي واتفاق فيينا، فدول الخليج في الأصل، لم تخش القنبلة النووية الإيرانية قدر خشيتها من دور إيران الإقليمي... هنا لم تكشف التصريحات العلنية عمّا يمكن أن يساعد في فهم قضايا الاتفاق والاختلاف بين الأطراف... لكن رطانة الخطابات في المؤتمر الصحفي المشترك، ووجود الوزير الروسي سيرغي لافروف في الدوحة ومشاركته في بعض الاجتماعات المتزامنة، واللقاء الثلاثي غير المسبوق، السعودي – الروسي – الأمريكي، جميعها تطورات تشي بأهمية ما دار في الدوحة يوم أمس، ويمكن القول، أن تداعيات شديدة الأهمية، قد تترتب على تلك اللقاءات المكثفة.
اليمن وسوريا، هما الملفان الأكثر حضوراً على موائد اجتماعات الدوحة المتعددة والماراثونية... اللافت أن "قعقعة السلاح" و"الحسم العسكري" قد غابت عن التصريحات والمواقف المعلنة، وعبارة "لا حل عسكرياً" تسبق التأكيد على وجوب تسريع خطوات الحل السياسي للأزمتين، مع توضيحات إضافية تتحدث عن ضرورة التشاور مع "الجميع" أو مختلف الأطراف، كما يرد على ألسنة الوزراء... وهي نبرة تصالحية، تبدد إلى حد كبير، كل التوصيفات التي تساق عند الحديث عن الحوثيين كمتمردين وخارجين عن الشرعية، أو عن الأسد ونظامه، بوصفهما فاقدين للشرعية منذ أجل طويل.
ان الخروج على الشرعية أو فقدانها، لم يعد سبباً كافياً لإخراج هذه الأطراف من دائرة المساعي المبذولة للوصول إلى حل... وطالما أن لا حسم عسكرياً مع هذه الأطراف، فلا بد إشراكها في البحث الحلول السياسية، التي يبدو أنها باتت طريق الجميع للخروج من الاستعصاء، لتبقى أسئلة من نوع: كيف ومتى وبأية شروط، هي التي يجري تداولها بعد أن سلّم الجميع على ما يبدو، بتعذر المضي في سياسة الإلغاء المتبادل.
الحل في سوريا مثلاً، سيكون مع النظام وبمشاركته... وإذا صحت التقارير عن قناة سورية – سعودية سرية، طرفاها الأمير محمد بن سلمان ورجل الأمن السوري القوي اللواء علي مملوك، فإن هذا سيُعد اختراقاً لا على جبهة العلاقة الثنائية فحسب، بل وعلى مسار البحث عن حل سياسي للازمة السورية... وربما تكون هذه القناة هي أولى ثمار مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين بإنشاء تحالف رباعي في مواجهة الإرهاب: تركي – سعودي – سوري – أردني... وليس مستبعداً أن يكون وجود الوزير لافروف في الدوحة تزامناً مع زيارة كيري لها، وبناء على طلب من موسكو، هو أمر يندرج بدوره في سياق "متابعة" نتائج الزيارة الهامة التي قام ولي ولي العهد السعودي إلى موسكو واجتماعاته هناك مع الرئيس بوتين.
أما في اليمن، فإن خلف التصعيد الميداني الأخير، تلوح بارقة مبادرات سياسية (قيد التشكل)، الحوثي يتحدث عن فرصة للسلام والحوار، من دون أن يسهى عن التذكير باستكمال الاستعداد لـ"رد استراتيجي على العدوان السعودي"، والناطق باسم "عاصفة الحزم"، يتخلى عن دوره في توجيه رسائل التهديد والوعيد للحديث عن "عودة الشرعية لصنعاء" بالحوار والطرق السلمية، بعد أن تم لقوات "عاصفته" إحكام السيطرة على أحياء واسعة من عدن... أما كيري فيسهب في الحديث عن مخرجات مؤتمر الحوار وعن الحل السياسي، وكذا يفعل العطية متحدثاً باسم زملائه من دول المجلس.
يبدو من جديد، أن حروب المنطقة وصراعاتها، قد أنهكت الجميع واستنزفت قواهم ومواردهم، وقادتهم بعد طول وقت وعناء وأثمان مكلفة، إلى استخلاص الحاجة للبحث عن حلول سياسية... يبدو أن رؤوساً حامية وقاسية، قد بردت وتحطمت على صخرة استحالة الحسم والإلغاء والإقصاء، فأخذت تجنح للحلول الوسط والتسويات، في سوريا واليمن، كما في العراق وليبيا، وربما تكون المنطقة، بفضل داعش وأخواتها، قد وصلت إلى ذروة التصعيد العسكري والميداني، وبدأت مسيرة التدحرج صوب الحلول السياسية، وقد تكون اجتماعات الدوحة، علامة مهمة على هذه التحولات.
اضف تعليق