هنالك فرصة تتجلى ليكون الدستور في مأمن ولو بشكل مؤقت وهو تشكيل حكومة اغلبية مقابل معارضة قوية تراقب اداءها، هنا سيحترم الدستور وتضطر الحكومة الى تطبيقه، والمعارضة الى الاحتكام والاحتجاج به لتقويم اي انحراف حكومي. دستورنا خَطِر لكنه ايضا في خَطَر، من كثرة من لا يريدون تطبيقه...
الدستور العراقي النافذ لعام ٢٠٠٥ احيانا خَطِر وأحيانا في خَطَر، خطورته تنبع من عدة اعتبارات:
اولها: باعتباره من الدساتير الجامدة، كما ان العديد من أحكامه جوفاء، ولا يؤسس سوى أبسط المبادئ والهياكل ويترك كل التفاصيل للتشريعات التي يقرها مجلس النواب عبر مقترحات تقدم من قبله او مشاريع قوانين يقدمها مجلس الوزراء لمجلس النواب لغرض تشريعها، على الرغم من أنه ليس من غير المعتاد أن تركز وثيقة دستورية على المبادئ العامة، فإن الدستور العراقي عابر وسطحي في السماح للبرلمان بتحديد شكل الهياكل الحكومية الأساسية (المحكمة الاتحادية العليا ومجلس الاتحاد... الخ) مع القليل من الإرشادات.
ثانيا: ان هذا الدستور لم يوضع من اجل المستقبل بل وضع من اجل تقليب اوجاع الماضي حسب ما جاء في الديباجة، فهذا الدستور يذكر الجميع بالمنبوذية السنية والمظلومية الشيعية والمغبونية الكردية.
ثالثا: تكمن خطورة الدستور انه لم يوضع لحكم واضعيه بل وضع لخدمتهم وذلك لان المشرع هو ذاته الفاعل السياسي المهيمن على العملية السياسية وبنيّ على مراعاة التوازنات السياسية وضمان المصالح الجهوية ولم يضع المشرع في هذا الدستور محددات وتفصيلات تجعل من وضع الدستور احترامه طالما انه لا يعدل، وهنالك من يقول انه لا يحترم الدستور الا بعد ان يعدل!.
رابعا: خطورة الدستور ايضا تتجلى في كل مفرداته التي تشير الى مكون او مكونات فإنها تقف حجر عثرة ضد الوطنية والمواطنة، وتستغل في كل انساق الفعل السياسي العراقي، اما الخطورة التي يواجهها الدستور فهي:
اولا: لم يشر الدستور الى ان تشكيل الحكومة يجب ان تكون توافقية بين المكونات بل بالعكس اشار الى حكومة تتألف من النصف+١ من اعضاء مجلس النواب دون ان يحدد من اي مكون او فئة.
ثانيا: يكمن الخطر الذي يحيط بالدستور نفسه، من علوية سلوك القوى السياسية لصالح التوافقية وليس للدستور الذي لم يشر الى هذه المفردة خاصة في سياقات تشكيل الحكومة والرئاسات الاخرى بل اشارة الى التوازن بين المكونات في مؤسسات الدولة وهنالك فرق بين التوافق السياسي والتوازن الوطني.
ثالثا: من المخاطر المحدقة بالدستور بأن الاولوية عند القوى السياسية ليس لقوانين الدستور بل للقوانين الاعتيادية ومن يحرص على بناء دولة عليه انجاز القوانين الدستورية التأسيسية وهي اكثر من (٦٠) قانون أشار لها الدستور بعبارة (وينظم ذلك بقانون)، تم التغاضي عن معظمها، وتم تجاوز حتى سقفها الزمني.
رابعا: اهم الاخطار التي يواجهها الدستور هو انتهاكه علانية مرارا والتجاوز عليه تكرارا، دونما محاسبة والسبب هو التوافقية والشراكة والمحاصصة فحينما يشترك الكل في السلطة والحكومة لا يصبح هنالك مجالا للمحاسبة بل كل طرف يمسك بمخالفات الطرف الاخر وهكذا يضرب الدستور عرض الحائط.
هنالك فرصة الان تتجلى ليكون الدستور في مأمن ولو بشكل مؤقت وهو تشكيل حكومة اغلبية مقابل معارضة قوية تراقب اداءها، هنا سيحترم الدستور وتضطر الحكومة الى تطبيقه، والمعارضة الى الاحتكام والاحتجاج به لتقويم اي انحراف حكومي.
سيناريو انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لولاية ثانية عبر حصوله على ٢٠٠ صوت قد يؤشر ولادة أغلبية عابرة للطائفية والمكونات يمكن ان تؤسس لمرحلة جديدة مختلفة عما سبق في الاداء والرقابة واحترام الدستور والقانون حينما نخرج من عنق المحاصصة والتوافق والشراكة الى افق حكومة اغلبية ومعارضة برلمانية بناءة، ومع امتعاض قوى الإطار التنسيقي على ذلك، لكن على الجميع ان يخبرهم ان هذا ليس صحيحا وأن من المشكوك فيه بدرجة كبيرة أن تكون المشاركة في أي حكومة أفضل من عدم المشاركة.
اخيراً اقول: دستورنا خَطِر لكنه ايضا في خَطَر، من كثرة من لا يريدون تطبيقه او احترامه وتأويله وفقا لمصالحهم الجهوية والخاصة.
اضف تعليق