تركيا دخلت في حرب مفتوحة ضد الارهاب، فطائراتها قصفت مواقع لتنظيم "داعش" في سوريا بعد ايام من التفجير الانتحاري الذي وقع في حديقة مركز ثقافي بمدينة "سروج" التابعة لولاية أورفة جنوب شرقي البلاد، كما قامت قوات امنية تركية مدعومة بالمدرعات والطائرات، باعتقال المئات من الموالين او المتعاونين من التنظيم، بما يعرف بـ(الخلايا النائمة)، وبين هاتين الخطوتين، تبادلت القوات التركية على الحدود مع سوريا، اطلاق النار مع عناصر التنظيم، بعد ان هاجم مسلحون ينتمون لداعش نقطة حدودية قريبة من مناطق النزاع.

طبعا تركيا لم تدخل الحرب ضد تنظيم "داعش" لوحده، بل اعتبرت ان "حزب العمال الكردستاني"، (بي كيه كيه)، طرف ارهابي اخر ينبغي التصدي له، حيث قصفت مقاتلات تركية مواقع مختلفة للحزب داخل الاراضي العراقية، وحلقت مقاتلات اخرى فوق عاصمة اقليم كردستان، (اربيل)، في رسالة واضحة لحكومة الاقليم، التي سارع رئيسها، مسعود بارزاني، للدعوة بإيقاف القصف وضرورة "حل المشاكل بين الطرفين بطريقة سلمية".

تنظيم "داعش" وحزب "العمال" هددوا الحكومة بتوسيع العمل المسلح ضد تركيا، ومع ان داعش والاكراد خصمان لدودان في سوريا، يتقاتلان على انتزاع الاراضي من الطرف الاخر، لكن، في ذات الوقت، يمكنهما توجيه السلاح نحو اهداف تركيه معينة، بعد ان علقت الاخيرة مفاوضاتها مع الاكراد، وزادت من حجم الضغط على داعش، وكلاهما يملك ما يرجح قدرتهما على احداث المزيد من التفجيرات او الاعتداءات المسلحة التي قد تطال اهداف مدنية وعسكرية، لعكس ردة الفعل الحكومة.

قد تبدو الاحداث الاخيرة في تركيا وتغير التحركات الرسمية نحو الدخول في "صراع مفتوح" مع هذه الاطراف امرا مفاجأ، لكن في حقيقية الامر كان متوقع الحدوث في اي لحظة، سيما مع اقتراب المعارك كثيرا من الحدود التركية، اضافة الى تعاظم نفوذ الاكراد داخل سوريا، والدعم الدولي المقدم من "التحالف الدولي" لهم لمواجهة "داعش"، فضلا عن فشل الاستراتيجية التركية في سوريا، والتي بنيت على رهان "سقوط" او "اسقاط" نظام الاسد بأسرع وقت، والسعي لإقامة "منطقة عازلة" داخل الاراضي السورية، ولا ننسى ايضا انحسار شعبية "اردوغان" وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في الانتخابات التشريعية الاخيرة.

امام هذه الفعل وردة الفعل، بين تركيا واعدائها... تنوعت التوقعات والتحليلات حول مستقبل الدولة التي نأت بنفسها عن الدخول في اي تحالفات ضد الارهاب، حتى اصبحت موضع اتهام الكثيرين، بسبب غضها الطرف عن تنقلات المسلحين، وكونها اصبحت ممرا امنا للموالين لداعش وغيرها، اضافة الى ازدهار تجارة التهريب ومافيات السلاح والنفط على طول الحدود مع سوريا.

ولعل اهم التوقعات قد تشير الى ان:

- تركيا ستغرق في فوضى الارهاب مثل من سبقها من الدول، واحتمال شن هجمات كبيرة داخل تركيا وارد جدا، بعد ان زرع التنظيم العديد من الخلايا الارهابية وجند الموالين له في مناطق عديدة، اضافة الى تحركات حزب العمال الكردي، بعد ان شملتهم الغارات التركية.

- تركيا ستعطي دفعا مهما لجهود مكافحة الارهاب، بعد ان دخلت كشريك قوي، ووافقت على استخدام قاعدة "انجرليك" الاستراتيجية من قبل قوات "التحالف الدولي"، وقد تتمكن (تركيا) ايضا من ضبط امنها الداخلي، بفعل العمليات الامنية الاستباقية التي قامت وتقوم بها حاليا.

- تركيا ستنفذ مشروعها في سوريا، بالتوافق مع التحالف الدولي، وربما بالتعاون مع دول عربية يهمها اسقاط الاسد واقامة منطقة عازلة داخل سوريا، لكن الاهم يبقى بالنسبة لتركيا، هو منع الاكراد من تحقيق اي هدف استقلالي داخل سوريا، وفي حال لم تتعاون تركيا مع التحالف الدولي، فسيبقى خيار تعاون الولايات المتحدة الامريكية مع حزب العمال الكردستاني من اجل مكافحة تنظيم داعش، خيارا قائما.

اضف تعليق