على الفائزين الجدد ان يسارعوا في التعلم قبل الدخول باية مناظرة وقبل الظهور على شاشات التلفزيون وقبل ان يباشر مجلس النواب الجديد اعماله، لان الامر بدون معرفة وعلم سيكون اشبه بالفضيحة، ومن هذا المنطلق اقول: ان تعديل الدستور، بوصفه خارطة الطريق لبناء الدولة...
كل شيء في الكون يسير على اساس وفي ضوء معرفة. فلا شيء يقوم على جهل، ولا شيء ينتج من جهل. ولهذا، من بين اشياء اخرى كثيرة، كانت اولى كلمات القران، وهو كتاب المعرفة الالهية، هي كلمة "اقرأ"، والقراءة مفتاح المعرفة. ولهذا كان العلم هو العنصر الرابع في المركب الحضاري، وهو العنصر الخامس في بناء الدولة الحضارية الحديثة، والعنصر الاول في الحداثة.
ومنه نفرّع ونقول ان السياسة وبناء الدول تقوم ايضا على اساس المعرفة. فالسياسة الحقة، على خلاف ما يقوله بسمارك، هي فن رعاية مصالح الناس وادارة شؤون الدولة والمجتمع، تقوم على اساس المعرفة. وعليه، يجب ان تتوفر لدى السياسيين ورجال الدولة ودعاة الاصلاح وقادة الثورات درجة معينة من المعرفة بشؤون الدولة في مجالاتها المختلفة مثل الاقتصاد والسياسة والادارة والتربية والقانون والقضاء وغير ذلك. وهذا ما نلاحظه في الدعوات النبوية قاطبة، وفي الحركات الاصلاحية والثورات الكبرى، وخاصة الثورة الانگليزية وما بعدها وصولا الى الثورة الايرانية التي قادها فقيه متبحر بالعلوم الاسلامية.
اراقب عن كثب عملية بناء الدولة وادارتها منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم، كما اتابع عن كثب الدعوات الاصلاحية والتغييرية منذ تشرين عام ٢٠١٩ حتى اليوم، وتحديدا تصريحات واقوال الفائزين الجدد بعضوية مجلس النواب. تابعت باهتمام مقابلة لقاء تلفزيونيا مع احدهم قبل فترة ليست بالطويلة. وحينما سأل مقدم اللقاء ضيفه عن طبيعة عمله القادم في البرلمان قال له: معارضة. وحينما سأله عن القضايا التي سوف يركز عليها اجابه: تعديل الدستور. وحين سأله عن المواد التي يسعى الى تغييرها او تعديلها، ارتبك صاحبنا وحار جوابا واخذ يضرب اخماسا باسداس، واتضح ان صاحبنا لا يملك فكرة عن الموضوع.
لا يصح ان يقال لي:"ماكو مشكلة"، لان الذين تولوا زمام الامور بعد عام ٢٠٠٣ لم يكونوا على علم. صحيح: لم يكونوا على علم، لكن هل من الصحيح ان يكون المتصدي للدولة بدون علم؟ وهل من الصحيح ان نتخذ اولئك انموذجا وقدوة لنا الان؟ الجواب: لا، والا فاننا نعيد نفس التجربة الفاشلة ونكرر الاخطاء.
حسنا ماذا نفعل الان وقد فاز من فاز؟
الجواب: على الفائزين الجدد ان يسارعوا في التعلم قبل الدخول باية مناظرة وقبل الظهور على شاشات التلفزيون وقبل ان يباشر مجلس النواب الجديد اعماله، لان الامر بدون معرفة وعلم سيكون اشبه بالفضيحة.
ومن هذا المنطلق اقول: ان تعديل الدستور، بوصفه خارطة الطريق لبناء الدولة، يجب ان يشمل امرين. اولهما الفكرة الحاكمة والسائدة في الدستور، والثانية بعض التفاصيل المهمة.
فيما يتعلق بالنقطة الاولى اقول ان الدستور مرتبك، فلا هو مكتوب على طريقة دولة المكونات بصيغتها الحضارية مثل سويسرا (مع ملاحظاتنا الجمة على دولة المكونات)، ولا هو مكتوب على طريقة دولة المواطنة، كما هو الحال في الدول الديمقراطية الاخرى. وعليه يجب تحديد اي من الطريقتين او الفكرتين نختار ثم تعديل الدستور على هذا الاساس. بالنسبة للذين يؤمنون بفكرة الدولة الحضارية الحديثة يجب ان يعدل الدستور لكي تؤسس مواده للدولة الحضارية الحديثة، من حيث المباديء والاسس والوظائف الخ. وفي مقدمة هذا تعزيز مبدأ المواطنة، لا المكونات، والديمقراطية التمثيلية، لا المحاصصة التي انتجت فكرتي التوازن الوطني والاستحقاق الانتخابي، وهي عبارات تبدو جميلة في ظاهرها الرحمة وفي باطنها وحقيقتها العذاب.
توجد اسباب وعوامل كثيرة للفشل في اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق بعد عام ٢٠٠٣. ومن هذه الاسباب هذه "اللخبطة" في الدستور، وارتباك مفاهيمه وافكاره، وغياب فكرة الدولة الحضارية الحديثة عنه. بكلمة اخرى: لم يكن واضعو الدستور يعرفون اية دولة يريدون انشاءها في ضوء الدستور الذي كتبوه!
اضف تعليق