نتائج هذه الزيارات مرهونة بالتطبيق ولا نعرف الى أي مدى ستحقق هذه التوافقات نتائج إيجابية على ارض الواقع، لكن يبقى الشيء الأكيد هو ان العلاقات العربية لم تعد كما في السابق، والمصلحة الشخصية هي الأهم من جميع الاعتبارات الأخرى، وهو ما دفع إيران والامارات الذهاب بهذا النحو بعيدا عن الارادات الجانبية...
أسرع من الرياح العاصفة هي سرعة حصول الاحداث التي تجري بمنطقة الخليج العربي والتغيرات بالمواقف بين الدول المؤثرة، إيران والسعودية والامارات التي حثت خطاها مؤخرا نحو التقرب من إيران لدوافع بعيدة المدى وعلى مستويات عدة أهمها الاقتصادي.
وتشهد المنطقة العربية حراكا دبلوماسيا لعله يعد سابقة تأسس لمرحلة جديدة من التفاهمات بعد الوصول الى قناعة بعدم جدية الخلافات، فحتى الأعداء عندما يريدون التقارب عليهم الجلوس الى طاولة الحوار، فلا يصح التراشق من بعيد بالكلمات، وعدم الخوض بمنعطفات الأمور التي تشكل هاجسا مخيفا بالنسبة لدول المنطقة، حيث جاءت زيارة مستشار الأمن القومي في دولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران لتؤكد النية الحقيقة لتطبيق التغيرات الجوهرية التي ستشهدها المنطقة في القادم.
ان الهدف من الزيارة كما أعلنته الجهات ذات العلاقة بأنها طبيعية لا تهدف لغير توطيد العلاقة او تنميتها، بينما هنالك من يجدها تحمل إشارة واضحة او دلالة على تغيير القواعد التي تحكم المنطقة، والتي أصبحت بأشد الحاجة الى بعث كمية أخرى من الأسس، تجنبها الصراعات وآثارها الكبيرة التي تعرقل الحياة فيها وتربك امن الخليج بصورة عامة.
بموازاة ذلك بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جولة خليجية يستهلها من سلطنة عُمان، وعلى رأس جدول اعمالها برنامج إيران النووي والصاروخي بكافة مكوناته وتداعياته، فإلى أين ذاهبة المنطقة بعد جميع هذه التحركات من قبل اقطابها او أبرز قطبين فيها وهما الامارات والسعودية، وبالنسبة للجانب العربي ولإيران صاحبة الشراكة في الخليج؟
الامر لم يعد خفيا بوجود خلاف سعودي اماراتي حول المستقبل الاقتصادي في المنطقة، الامارات توجد لديها الرغبة في اخذ موقع الصدارة الاقتصادية بالمنطقة، لكن ما يمنعها من الوقوف بالمقدمة هو الخجل من صاحبة الجلالة والرأي الغالب على دول وشعوب المنطقة المملكة العربية السعودية، التي أخفقت في المحافظة على علاقات طيبة مع البلدان العربية والبقاء بمثابة الاب الروحي لها.
وهذا التقارب الكبير بين إيران والامارات القائم على الابعاد الاستراتيجية في المنطقة، سيجعل من الخطة السعودية 20 – 30، ليست بهذه الأهمية المتوقعة او المخطط لها من قبل المملكة التي لا تريد ان تفلت الزعامة الدينية من يدها وتلحقها بالسيطرة الاقتصادية، من خلال جلب الشركات الاستثمارية وجعل بلدها نقطة التقاءها الوحيدة.
الحلم الاماراتي والرغبة الجامحة في الخروج من الحلف العربي الذي تقوده السعودية، يتوجب عليها نسج علاقات جديدة او بالأحرى يمكننا القول إعادة تأهيل العلاقات القائمة في السابق وتضررت بفعل التأثيرات المتواصلة والضغط الدائم عليها من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وأدت الى الابتعاد كثيرا عن إيران صاحبة التبادل التجاري الكبير معها والمؤثرة على الاقتصاد في الامارات العربية المتحدة.
وفي هذا الاتجاه أيضا نجد الامارات لم تكمل الطريق الى جانب السعودية في حربها ضد اليمن، وسحبت قواتها بعد شعورها بعدم الجدوى من الاستمرار في الصراع الذي لم تجلب منه سوى الاستنزاف المادي، والرغبة السعودية في إبقاء هذا الباب مفتوحا دون الذهاب لمنطق التفاهم وإيقاف الحرب حقنا للدماء، وحفظا لأمن واستقرار المنطقة العربية برمتها.
لزيارة مستشار الامن القومي طحنون بن زايد الى إيران ابعاد عديدة، لكن يمكن ذكر الأهم فيها، اذ لها دلالات قوية على بداية اتباع سياسة شق الطريق من قبل الامارات بعيدا عن المحور السعودي، ونهاية الابتعاد من إيران التي تتحكم بصورة مباشرة بطريق التجارة والملاحة في الخليج، ولان الامارات تسعى لان تكون قوة اقتصادية منافسة للقوة السعودية، عليها ان تقيم هذا الترابط الوثيق بين البلدين.
يضاف الى ذلك هنالك متغير على مستوى المنطقة، وهذا المتغير يرتبط بصورة كبيرة بالموقف الدولي، وتحديدا بالموقف الأمريكي تجاه المنطقة العربية، فيمكن القول ان الولايات المتحدة، قللت من اهتمامها بالحلفاء من الدول العربية، وتفرغت بالكامل للمعركة الأساسية مع روسيا والصين المنافسين لها في الجوانب التقنية والعسكرية والاقتصادية.
التخلي الأمريكي وقلة الاهتمام بإيفاء الوعود من قبل أمريكا حفز الامارات على التقرب من أكثر المحاور أهمية في المنطقة، فتقربها من إيران يضمن لها مصالح تجارية دائمة قائمة على المنفعة المتبادلة، وبالتالي نصل الى نتيجة مفادها ان إيران ضمنت عدم وقوف الامارات مع أي تحالف ضدها، شريطة ان تقوي ارتباطها التجاري معها، وتسكب ودها لشق الصف العربي على الأقل بين المملكة العربية السعودية والامارات.
نتائج هذه الزيارات مرهونة بالتطبيق ولا نعرف الى أي مدى ستحقق هذه التوافقات نتائج إيجابية على ارض الواقع، لكن يبقى الشيء الأكيد هو ان العلاقات العربية لم تعد كما في السابق، والمصلحة الشخصية هي الأهم من جميع الاعتبارات الأخرى، وهو ما دفع إيران والامارات الذهاب بهذا النحو بعيدا عن الارادات الجانبية.
اضف تعليق