وسائلَ التَّواصل الإِجتماعي باتَت اليَوم المصدر الوحيد للتَّغذية الفكريَّة والسياسيَّة والثقافيَّة وحتَّى العقديَّة وهذا أَمرٌ يُرثى لهُ وستكونُ لهُ نتائِجَ مُدمِّرة إِذا ما استمرَّ مُدَّةً طويلةً من الزَّمن من دونِ علاجٍ ومن دونِ ثقافةِ حُسنِ التَّعامل مع هذا التحدِّي. لم يعُد المُتلقِّي يتوقَّف بإِزاء ما يصلهُ...
١/ مَن يقِف وراءَ حمَلات النَّشر المُفبركَة؟! ولِماذا؟!.
في البدء ينبغي أَن ننتبهَ إِلى حقيقتَينِ مُهمَّتَينِ؛
الأُولى؛ هي أَنَّ هذا النَّوع من النَّشر باتَ تحدِّياً عالميّاً وليسَ محليّاً، فكلُّ دُوَل العالَم تُعاني منهُ على الرَّغمِ من الإِجراءات والإِحترازات والقوانين المُنظِّمة التي تتَّخذها الدُّوَل للحدِّ منهُ.
الثَّانية؛ هيَ أَنَّ هذا التَّحدي شاملٌ لا يقتصرُ على جُزئِيَّة دونَ أُخرى، فالسِّياسة والإِقتصاد والأَخلاق والأَمن والخصوصيَّة كلَّها هدفٌ لهُ.
حتَّى الصحَّة والعِلم والبُحوث باتت في مرمى هذا التحدِّي، والذي تابعناهُ جميعاً بملفِّ [جائحةِ كورُونا] ولُقاحاتِها.
أَمَّا الذي يقف وراءَ ذلك فهُم جماعات مُتعدِّدة، عالميَّة ومحليَّة، تختلفُ في المُنطلقاتِ إِلَّا أَنَّها تتَّفق في الهدف والمُتمثِّل بخلقِ الفَوضى [الفكريَّة] والتَّشويش [الذِّهني] والحربِ السايبيريَّة ليسهُلَ عليها قيادة المُجتمعات بالطَّريقةِ التي تُريدها وللهدفِ الذي تريدُ تحقيقهُ.
عندنا في العراقِ مثلاً وتحديداً، فإِنَّ الذي يُدير الذُّباب الأَليكترُوني الذي يقودُ هذا النَّوع من النَّشر جهاتٍ عِدَّة؛
- فمِنها الأَحزاب السياسيَّة الحاكِمة لإِلهاء المُجتمع بعيداً عن البحثِ والتَّحقيقِ ومُلاحقةِ فسادهِم وفشلهِم في بناءِ الدَّولة العصريَّة والنِّظام السِّياسي العادِل الذي يُحقِّق كرامةِ المُواطن.
- ومنها أَيتام نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين الذين يُثيرُونَ الفوضى لينسى العراقيُّونَ جرائم عهدهِم الأَسود وما فعلهُ بالبلادِ من دمارٍ وخرابٍ وقتلٍ وذبحٍ على الهويَّةِ.
- ومنهُم الفِرق الضالَّة التي تستهدف الدِّين والأَخلاق والعادات والتَّقاليد والقِيَم والمُؤَسَّسات الرَّاسِخة في المُجتمعِ.
ولقد اجتمعَ هؤُلاء وغيرهِم لتدميرِ المُجتمع بكُلِّ صورةٍ مُمكِنةٍ.
٢/ إِلى أَيِّ مدى أَثَّر ذلكَ على صناعةِ الرَّأي العام؟! وعدمِ الوصُولِ إِلى الحقائقِ؟!.
بِلا جِدال، بدرجةٍ كبيرةٍ جدّاً، والسَّبب؛ هو أَنَّ وسائلَ التَّواصل الإِجتماعي باتَت اليَوم المصدر الوحيد للتَّغذية [الفكريَّة والسياسيَّة والثقافيَّة وحتَّى العقديَّة] وهذا أَمرٌ يُرثى لهُ وستكونُ لهُ نتائِجَ مُدمِّرة إِذا ما استمرَّ مُدَّةً طويلةً من الزَّمن من دونِ علاجٍ ومن دونِ ثقافةِ حُسنِ التَّعامل مع هذا التحدِّي.
لم يعُد المُتلقِّي يتوقَّف بإِزاء ما يصلهُ على هاتفهِ من منشوراتٍ، فالأَغلبيَّة المُطلقة تتناول ما يصلَها كمُسلَّماتٍ لا ينبغي مُناقشتها أَو حتَّى السُّؤَال عنها للتَّثبُّت منها، وما إِذا كانت نافِعة لنشرِها وتداوُلها أَم لا؟!.
إِنَّهم [المُتلقُّون] ينشرُونَ الغثَّ والسَّمين مِمَّا يصلهُم، وإِنَّ نِسبة الغَثِّ تفُوقُ جدّاً نِسبة السَّمين [رُبما ٩٠٪ إِلى ١٠٪].
ولذلكَ فإِنَّ حمَلات التَّسقيط والتَّشهير والتَّشويه لأَكثرِ الحقائقِ نصاعةً باتت في مُتناوَل اليَدِ يصلُ إِليها ويُمارسها كلَّ فردٍ في المُجتمعِ من دونِ الحاجةِ إِلى كثيرِ ذكاءٍ أَو عناءٍ، فما عليهِ إِلَّا أَن يستنسخَ ويلصِقَ ما يصلهُ فوراً ليُساهِمَ في الحملةِ!.
كلُّ ذلكَ ساهَم في صناعةِ [رأيٍّ عامٍّ] تافهٍ وعقليَّاتٍ ساذجةٍ، فعندما تكونُ التَّغذِيةُ [المعلُوماتيَّة] خطأً ومشبوهةً فإِنَّ نتائِجها واستنتاجاتها وطريقةِ التَّفكير والفِهم للأَحداثِ التي تنبني عليها كلَّها تكونُ خطأ، تافِهةٌ وسطحيَّةٌ ولا قيمةَ لها.
٣/ هل فعلاً تمَّ توظيف وسائل التَّواصل لإِثارةِ الحرُوبِ بينَ الدُّول والشُّعوب والمُجتمعات؟!
منذُ القِدم كانت الحربُ النفسيَّة وحربُ الشَّائِعات وحرُوب التَّشويش والتَّشويه محطَّ اهتمامٍ عندَ كُلِّ النُّظم السياسيَّة في العالَم، كأَداةٍ من أَدواتِ الحرُوبِ السَّاخِنة والبارِدة.
ولقد كانت هذهِ الأَداة حِكراً بيدِ الأَجهزةِ المعنيَّة في كلِّ دَولةٍ، كالأَمنِ والإِستخباراتِ وأَجهزةِ الدِّعايةِ والإِعلامِ وغيرِها.
أَمَّا اليَوم فإِنَّها باتت مُشاعة بيدِ كُلِّ مَن يرغب في مُمارستِها، بسببِ الإِنترنيت الذي باتَ يُغطِّي العالَم تقريباً وبالإِعتمادِ على جيشِ المُغفَّلينَ فتُلاحظ مثلاً؛ ما أَن تختلفَ مع الآخر حتَّى يُبادر لتأسيسِ عددٍ من مجموعاتِ التَّواصل الإِجتماعي وعلى مُختلفِ المنصَّاتِ، ليُطلقَ ضدَّكَ حملةً شعواءَ من الأَكاذيبِ والطُّعونِ والإِفتراءاتِ والتُّهمِ تشمل معلوماتٍ كاذبةٍ وصُور وأَفلام مُفبركةٍ أَو مُجتزأَةٍ ومنشوراتٍ مُضلِّلة لا أَساسَ لها من الصحَّة.
وفي لمحِ البصرِ تجدُ نفسكَ عميلاً مأجوراً مُتَّهماً في دينِكَ وأَخلاقِكَ! كما تجدُ نفسكَ تطيرُ في عالَمٍ إِفتراضيٍّ على أَجنحةِ التَّضليلِ والتَّشويهِ، رُبما من دونِ أَن تمتلكَ أَيَّة قُدرة على الرَّدِّ والتَّوضيحِ وعاجزٌ عن صدِّ الهجماتِ لكثرتِها وسِعةِ انتشارِها!.
تجدُ نفسكَ فُجأَةً مُضطرٌّ لتبيانِ أَبسطِ الحقائقِ التي تخصُّكَ.
إِنَّ سياسةَ تسقيطِ الخَصمِ واغتيالِ شخصيَّتهِ المعنويَّة باتت من أَبسطِ نتائجِ هذا النَّوع من الحرُوبِ القَذِرة التي لا ترعى ديناً أَو أَخلاقاً أَو صُحبةً أَو حتَّى مصلحةً إِجتماعيَّةً.
لقد باتَ الدَّم والعِرض أَرخص الأَشياءِ جرَّاءَ هذهِ الحرب!.
٤/ كيفَ يمكنُ الحدَّ والتَّقليل من آثارِ ومخاطرِ كُلِّ ذلكَ؟! ومَن المسؤُول عن تحقيقِ هذا الأَمرِ؟!.
كُلُّ واحدٍ منَّا مسؤُولٌ عن ذلكَ.
ينبغي أَن يخلُقَ كُلَّ واحدٍ منَّا فِلتراً خاصّاً بهِ [رقابةً ذاتيَّةً] يصدُّ بهِ ما يصلهُ من منشوراتٍ بِكُلِّ أَشكالِها فلا يُصدِّق كُلَّ ما يصلُ إِليهِ ولا ينشرُ كُلَّ ما يصلُ إِليهِ ولا يعتمدُ على كلِّ ما يصلهُ.
وإِذا أَمكنهُ أَن يكونَ فِلترهُ هذا فِلتراً للآخرين يقنعهُم بضَرورةِ عدم التَّعامل معَ كُلِّ ما يصلهُم أَو نشرهِ فتلكَ خطوةٌ مُتقدِّمة سيحمي بها نفسهُ والآخرين والمُجتمعِ.
الأُسرة والوالدانِ تحديداً يتحمَّلُونَ مسؤُوليَّة تربية وتعليم الأَبناء على الطُّرقِ السَّليمة والصَّحيحةِ للتَّعامُلِ مع منشوراتِ وسائلِ التَّواصُل الإِجتماعي، فسياسةُ المنعِ لوحدِها لا تنفعُ.
أَمَّا المُؤَسَّسة التعليميَّة فأَنا أَقترحُ إِضافة مادَّة دراسيَّة بخصوصِ الطُّرق السَّليمة للتَّعامُلِ مع وسائلِ التَّواصل، يتعلَّم فيها التَّلاميذ كُلَّ ما يخصُّ هذا الملف بدِراساتٍ علميَّةٍ وأَكاديميَّةٍ مَيدانيَّةٍ وبحثيَّةٍ، من أَجلِ المُساهمةِ في خلقِ الرَّقابةِ الذاتيَّةِ عندَ المُجتمعِ.
كما أَنَّ للمُؤَسَّسةِ الدينيَّةِ بكُلِّ أَذرُعِها دورٌ مُهمٌّ ومِحوري في توجيهِ ذلكَ بالصُّورةِ السَّليمةِ من خلالِ تبيينِ حلالهِ وحرامهِ.
تبقى أَخيراً مسؤُوليَّة المُؤَسَّسة التَّشريعيَّة [مجلس النوَّاب] في تشريعِ القوانين التي تُنظِّم عمل [الإِنترنيت] بشكلٍ سليمٍ وعقلانيٍّ من دونِ التَّجاوُزِ على حريَّة المُواطن في الوصولِ إِلى المعلومةِ.
بمعنى آخر؛ لا ينبغي تسييس الأَمر بما يخدِم السياسيِّين ضدَّ حريَّة التَّعبير وحريَّة الوصُول للمعلومةِ، ليحمُوا أَنفسهُم من الرَّقابةِ والنَّقدِ والمُساءلةِ والمُحاسبةِ.
اضف تعليق