أخشى المطارات، مشوشا أظل أدور في صالة المطار، ولا يستقر لي حال الا بعد تجاوز ضابط التأشيرة الى صالة انتظار صعود الطائرة، هذا الخوف المرضي لم يأت من فراغ، بل مما صادفته من حوادث، لي مع المطارات قصص غريبة، بالرغم من ان سفراتي تعد على الأصابع...
لا أظن أحدا يخاف المطارات مثلي، ما دخلت مطارا الا وارتعدت فرائصي، وانتابني من القلق أشده، ومن الوساوس أغربها، وتغلق نفسي أبوابها ونوافذها، حتى لا أشتهي طعاما او شرابا، واقفا أقضي كل مدة الانتظار، وأتلمس حقيبتي الصغيرة التي تضم جوازي وتذكرتي بأوقات متقاربة، أطالع لوحة الاعلان عن الرحلات باستمرار، مع ان مشاهدة واحدة تكفي لمعرفة موعد طائرتي.
يندر أن ترتسم على وجهي ابتسامة، أعكر مزاج من يرافقني، فيحلف أغلظ الأيمان بعدم مصاحبتي وان كانت رحلته مجانية، أشك في حقائبي بأنها ليست لي، فأبحث عن نياشين وضعتها فيها أثناء التحضير، يجري ذلك مع اني لا أخاف الطائرة، واستمتع أيما استمتاع عند اقلاعها وهبوطها، مع ان المسافرين في هذه الحالات يكثرون من الدعاء وقراءة الآيات، وبالصلاة على النبي تصدح الحناجر، أشاركهم الدعاء والصلاة، لكني أشجعهم، لا تغمض لي عين ولا يجفل قلبي، من النافذة أبصر كل شيء، يصغر او يكبر رويدا رويدا بلا قلق او خوف او وسواس، أهوى الطائرات ليس لأنها توصلني سريعا للبلدان، بل للتلذذ بالإقلاع والهبوط بالرغم من كونهما أخطر ما في الطيران.
ومع هذا أخاف المطارات، فما أن أقطع تذكرتي حتى تزداد دقات قلبي، وتدلهم ليلة ما قبل السفر، تطاردني الكوابيس، فأفز مذعورا، ولولا الكلف المالية لألغيت سفري، وأقول مع نفسي، وأسمعني مليا: بأنها آخر سفرة ولن أكررها.
الناس تفرح بالسفر وأنا أغتم، وما ان أصل تلك البلاد حتى يعاودني قلق العودة في اليوم التالي، وتسّود أيام السفرة في عيني، وتحرمني متعة مشاهدة المدن التي قضيت أياما بالبحث عنها في الانترنيت، عن تاريخها وأجوائها ومعالمها وبُعد مسافاتها عن مقر اقامتي المحتمل، فالسفر عندي استطلاع لا استرخاء، لذلك تراني أستيقظ مبكرا ولا أعود الا في ساعة متأخرة، أتطلع لرسم صورة وافية عنها، فغالبا ما يراودني خاطر بأنها قد تكون الزيارة الأخيرة، وكيف يستمتع شارد الذهن مهموم البال؟ من السفر عرفت قيمة الدعاء براحة البال، وحال نفسي تتساءل هل سأعود الى الأهل؟
لا أغالي في الوصف، بل هكذا هي حالي، يشبه الذين يخافون صعود المرتفعات، او ركوب البحار، أخشى المطارات، مشوشا أظل أدور في صالة المطار، ولا يستقر لي حال الا بعد تجاوز ضابط التأشيرة الى صالة انتظار صعود الطائرة، هذا الخوف المرضي لم يأت من فراغ، بل مما صادفته من حوادث، لي مع المطارات قصص غريبة، بالرغم من ان سفراتي تعد على الأصابع، ولذلك ترعبني اجراءات المطار أكثر من ركوب الطائرة.
أروي لكم واحدة من تلك الحوادث التي حولت سعادتي الى هم وغم، مرة استقبلني ضابط التأشيرة في مطار بيروت بنظرات حادة، وتفحص وجهي مليا بلا كلام، ثم طوى جوازي وطلب مني مرافقته الى غرفة الأمن، في الطريق الى الغرفة سألته عما حدث، فطلب انتظار الاجابة من مسؤوله الأعلى، ومع ان المسافة الى غرفة الأمن قصيرة، لكني شعرت بها أطول من المسافة بين بغداد وبيروت، سمحوا لي بالجلوس، وبصمت قابلوا أسئلتي عن سبب عدم السماح بدخول لبنان، وبعد ساعات طوال تقرب من الخمس أخبروني بأني قبل عام دخلت الى بلادهم ولم أخرج منها، فأين ذهبت؟ ولم تشفع اجابتي بكوني استاذ زائر في جامعة لبنانية، وزودتهم ما بحوزتي من وثائق، وانتهى الأمر بمصادرة جوازي والسماح بدخول المدينة بورقة مختومة، ولكي استعيد جوازي وأفر بجلدي قضيت ثلاثة أيام في مراجعة مديرية الأمن العام، وأكتفي بهذا، ولن أحدثكم عما جرى في مديرية الأمن. لهذا لست مع الغاء التأشيرات المسبقة من السفارات، كما هي الحال مع لبنان، ومؤخرا مع ايران، فتأشيرة المطارات فيها ما فيها.
اضف تعليق