في بعض الأحيان، وانت في بلد كالعراق، تشعر وكان الزمن يعود بك الى الوراء... الى احداث الامس القريب، وكان شريط الماضي يعاد تدويره عن عمد وإصرار، المشاهد نفسها تتكرر، والمواقف أيضا، اقصد مشاهد القتل والدمار التي زرعها الارهابيون في كل مكان، ونقلها المتطفلون... من مدن أصبحت سببا للماسي والرعب المزروع في ذاكرة العراقي، كما فعلت "تكريت" وتفعل "الفلوجة" اليوم.
تكريت كانت حاضنة لحزب البعث (سابقا)... وأصبحت حاضنة لمن قام بمجزرة "سبايكر" الرهيبة (حاليا)... "الفلوجة" كما أطلق عليها "قلعة" لتنظيم "القاعدة" (سابقا)، واليوم هي ملاذ امن لتنظيم "داعش"... حتى ان الأصوات "النشاز" تهيئت لتدافع عن "فكر" عشش في قلوب اتباعه... واستعدت لتدافع عن "المدن" التي مثلت الدمار والقتل بحق مئات الالاف من المدنيين في العراق... لا لسبب معين سوى لأنهم من "الشيعة" او "السنة" او "المسيحيين" وغيرهم... ممن لم ينتموا او يدعموا فكرهم المتطرف.
وكما هو متوقع... عند الاقتراب من هذه "المدن المقدسة" بالنسبة لهم، والتي سكنها "الشؤم" بعد ان اخرج منها "أهلها" ظلما وعدوانا... بدأت حملة الاعلام "الأسود" للدفاع عن "قدسية" الفلوجة مثلما سبقها حملة الدفاع عن "تكريت"... وما تحمله من رمزية بالنسبة "لهم" لا بالنسبة "لنا"... والفرق بيننا وبينهم واضح... فنحن نحب الحياة... وهم يحبون الموت.
من نماذج "هم" ربما يبرز، "أحمد منصور"، صاحب التجارب "المعروفة" مع "الفكر الجهادي"... والمقرب من تنظيم "القاعدة"... عاد اليوم، وبعد ما يقارب العقد، ليعيد بث نفس الرسالة الطائفية بامتياز... الدفاع عن: الفلوجة، السنة، الاحتلال، الصفوية، لكن ليس عام 2004 بل في عام 2015، ويبدو عليه الانزعاج كثيرا من محاولة اقتحامها وإخراج مسلحي "داعش" منها، بعد ان أهلكوا الحرث والنسل فيها... ويبدو ان ما اغاضه أكثر... ان من سيحررها من "داعش" ويعيدها الى "أهلها"... هم شركاء "السنة" في الوطن.... المقاتلون الشيعة او "الحشد الشعبي" من خلال دعمهم للجيش العراقي والعشائر السنية المقاومة للجماعات الارهابية.
طبعا... مثل هكذا صور... عن اندماج أبناء الوطن الواحد، لا تروق كثيرا لأصوات اعتادت على بث الفرقة بين أبناء الوطن وتفرح بها عندما تصل الى مبتغاها، وكلنا يتذكر احداث عام 2006 وكيف تم الترويج لها.
وكما هو حال الكثيرين من على منبر "الجزيرة"، درج "منصور" على الاستهانة بمشاعر العراقيين وكرامتهم... والغريب انهم لا يحاولون فهم ما يجري... وهم يسوقون الامر "الطائفي" على طريقتهم الخاصة.
ما استطاع قوله "منصور" عن الفلوجة هو تكرار لنفس الخطاب "الطائفي" القديم عندما كتب على صفحته الخاصة في التواصل الاجتماعي: "حرب الإبادة التي تقوم بها المليشيات الطائفية الإيرانية ضد مدينة الفلوجة العراقية ليست سوى استكمال لحرب الإبادة التي قامت بها القوات الأمريكية في العراق في ابريل ونوفمبر من العام 2004 لكن الفلوجة العصية كما كانت رمزا للصمود وهزيمة أمريكا في العراق ستكون رمزا للصمود وهزيمة المليشيات، وستبقى الفلوجة رمزا لانتصار السنة وصمودهم ضد الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق".
لكن... وبعيدا عن "ترهات منصور"، كيف سيكون حالهم في حال تم تحرير الفلوجة وطرد "داعش" منها بالكامل؟
وكيف ستكون ردة الفعل الإعلامي إذا دخلتها القوات العراقية ظافرة بالنصر؟
وكيف سيتم تأويل رواية كسر شوكة داعش هناك؟
أسئلة يرعبهم الإجابة عنها بالتأكيد... ويبدو ان تحرير "الفلوجة" من دنس "داعش" سيختزل الرد المناسب لما تمارسه الجهات الإعلامية التي ارتبطت وساندت الجماعات الإرهابية التي مرت على ارض العراق... منذ زمن بعيد.
صحيح ان تحرير الفلوجة سيكون نصرا عسكريا مهما... لكن الى جانب ذلك ستكون "الفلوجة" نصرا إعلاميا كبيرا... يهزم امامه أمثال هؤلاء... ودعاة الفتنة والطائفية أيضا، لأنها ستوحد أبناء البلد الذي مزقته الحروب... ونفخ في نار الفتن التي مرت عليه، قناة الجزيرة، ومن شاكلها، ويبدو ان يوم الهزائم بالنسبة لهم أصبح أقرب مما يتصورون.
اما "احمد منصور"، البريطاني الجنسية، فآخر من يحمل هموم العرب، بعد ان صدح من بريطانيا بأعلى صوته "انا اوربي"... بل وان من الاوربيين من يحمل هم العرب أكثر منه... وربما من أراد النصح له ان يبلغه بان يهتم بقضايا "الاخوان المسلمين" ومحاربة نظام "السيسي" في مصر... حيث برز نجمه وفلت من قبضتهم في اللحظات الأخيرة، بعد استعراض وتغطية لأحداث اعتقاله وإطلاق سراحه بما يشبه أفلام هوليود او "جيمس بوند"... لا ان يمس "العراق" و"اهله" و"مدنه"... فـ"أهل مكة ادرى بشعابها"، مع ملاحظة صغيرة مفادها: ان الأمور تغيرت ولم تعد كما عهدتها في عام 2004، وهذه المرة لن تستطيع ان تقف امام الكاميرا لتغطي انتصارات "داعش"... لانهم سيهزمون قبل ان تفكر بالمجيء الى العراق... ان كنت قادرا على فعل ذلك!.
اضف تعليق