لا نقلل من شأن النضال من أجل احترام الحريات العامة ومواجهة التسلط والفساد او نقلل من شأن الناشطين السياسيين والمجتمعيين الفاعلين في هذا المجال سواء في الضفة أو غزة ولكن يجب عدم الخلط بين العدو الرئيس وهو إسرائيل حيث يجب تكاثف الجهود لمواجهته وبين الخصم السياسي...

بعد مرور ستة عشر عاما على خروج جيش الاحتلال من داخل قطاع غزة في مثل هذه الأيام من عام 2005 فإن قطاع غزة (المُحرر) كما تقول فصائل المقاومة يشهد تصعيدا عسكريا ومناوشات مع الاحتلال الذي خرج من غزة، بينما في الضفة المحتلة منذ 1967 يوجد مقر منظمة التحرير وتوجد سلطة وطنية ومؤسسات وطنية وسفارات وممثليات اجنبية، ولا توجد فصائل مقاومة مسلحة ولا صواريخ ولا أنفاق أو عمليات ارباك ليلي أو بالونات حارقة لمواجهة الاحتلال والمستوطنين، بل يتظاهر معارضون ومنتمون لفصائل المقاومة ضد السلطة الوطنية!!!.

هذا المشهد مستمر منذ سنوات وبرز أخيرا في ذكرى حرق المسجد الأقصى 21 أغسطس الجاري، حيث تزامن حدثان، الأول في غزة حيث مناوشات وصدامات بين متظاهرين وجيش الاحتلال على حدود القطاع، والحدث الثاني عندما فضـت أجهزة امن السلطة وبالقوة تجمعا لمئات في دوار المنارة في رام الله خرجوا منددين بتقاعس السلطة في حماية حرية الرأي والتعبير وعدم معاقبة رجال الأمن الذين قتلوا نزار بنات.

ربما كان التزامن عفوياً وغير مقصود أو مبرمَجا له ولكن الانطباع الذي تولَّد عند المتابعين للأحداث في الداخل والخارج وغير ملمين بخفايا الأمور هو أن الفلسطينيين في غزة يواجهون الاحتلال وفي الضفة يواجهون السلطة وكأنه لا يوجد احتلال !!!!.

كان من المفروض أن التظاهرات والمسيرات بمناسبة ذكرى حرق المسجد الأقصى –أو أية مناسبة وطنية- تشمل كل ربوع فلسطين وفي الشتات وفي كل العالم الإسلامي أو على الأقل أن تكون في الضفة وغزة، لأن القدس والمسجد الأقصى ليس شأناً غزاوياً، ايضاَ أن تكون حالة الاشتباك مع الاحتلال في الضفة المحتلة وليس فقط في غزة، التي خرج منها جيش الاحتلال، وفي المقابل كان من المفروض أن تكون الوقفات الاحتجاجية ضد القمع والحد من الحريات في الضفة وغزة، لأن الانتهاكات موجودة في المنطقتين. ولكن الانقسام المقيت والحسابات الحزبية الضيقة أخرجت هكذا مظاهرات ووقفات احتجاجية وصدامات مع الاحتلال عن سياقها الوطني وأفقدتها تأثيرها بل شوهت الرسالة السامية التي كان يجب توصيلها.

الاحتلال في الضفة أكثر حضوراً وخطورة مما هو في غزة، وكان يجب أن تكون المظاهرات والتصادم مع الاحتلال أكثر فعالية وزخماً في الضفة مما هو في غزة (المُحررة)، كما أن الحد من الحريات في غزة لا يقل عما هو في الضفة، ولكن الأمور جرت بشكل مقلوب ومعكوس ومشوه.

إن سير الأمور بالمعكوس في مناطق السلطة ليس وليد الساعة، بل هو خطأ موجود منذ خروج الجيش الإسرائيلي من داخل قطاع غزة خريف 2005، فمنذ ذاك الوقت كان يُفترض أن تنتقل المقاومة المسلحة من قطاع غزة (المُحَرَر) كما تقول فصائل المقاومة إلى الضفة الغربية المحتلة، وأن تتفرغ السلطة وفصائل المقاومة في غزة لإعادة بناء القطاع وخلق مشاريع تنمية، وتحويله لنموذج مُشرف ومتميز لقدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم، ولكن للأسف وبتخطيط خبيث تعاظَم شأن ووجود الجماعات المسلحة في القطاع (المحرر) وغاب وجودها عن الضفة المحتلة، مع أن الفصائل والأحزاب في غزة نفسها في الضفة، ولم يحدث لا مزيد من تحرير الأرض ولا تنمية وبناء لا في الضفة ولا في غزة.

لا نقلل من شأن النضال من أجل احترام الحريات العامة ومواجهة التسلط والفساد او نقلل من شأن الناشطين السياسيين والمجتمعيين الفاعلين في هذا المجال سواء في الضفة أو غزة ولكن يجب عدم الخلط بين العدو الرئيس وهو إسرائيل حيث يجب تكاثف الجهود لمواجهته وبين الخصم السياسي الوطني، بحيث لا تصبح مقارعة الخصم السياسي الوطني لها الاولوية على مقارعة العدو.

أن تقول السلطة في رام الله إنها سلطة وطنية وعنوان المشروع الوطني، فهذا لا يعني ان من يتولى أمر السلطة ملائكة أو منزهون عن الخطأ، أو يجب السكوت عن أية انتهاك للحريات أو حالات فساد وشطط في استعمال السلطة، والسلطة الوطنية في الضفة تتحمل مسؤولية قتل نزار بنات بالشكل الفج الذي جرى، والسلطة أخطأت عندما تأخرت في محاسبة القَتَلة وهم معروفون لديها وأخطأت مرة أخرى عندما قمعت واعتقلت مشاركين في وقفة احتجاجية سلمية على دوار المنارة، بينهم مثقفون وأكاديميون، وأسرى محررون لا يمكن التشكيك في وطنيتهم جميعاً، حتى وإن كان بين المتظاهرين مندسون لا يريدون خيرا للسلطة وللوطن.

وفي المقابل على (فصائل المقاومة) وكل من يعارض السلطة الوطنية الابتعاد عن تصنيف هذه الأخيرة كعدو ، وتصبح كل جهودهم موجهة لتشويه السلطة ومحاولة إسقاطها حتى بدعم أطراف خارجية لا تريد خيرا لفلسطين والفلسطينيين، متجاهلين الاحتلال وممارساته، فبالرغم من كل المآخذ على السلطة ومطالبتنا المتواصلة بضرورة تغيير وظيفتها وتصليب مواقفها في مواجهة الاحتلال، إلا أن وجودها في الاراضي المحتلة كمؤسسات تعبر وتجسد الشخصية والهوية الوطنية يشكل حالة تحدي لمزاعم إسرائيل بأن الضفة والقدس جزء من دولة الكيان.

أيضا ستفقد كل فصائل المقاومة، وطنية كانت أم إسلامية، قيمتها بل وصفة المقاومة إن اكتفت بما تقوم به في غزة ومناوشة السلطة في الضفة وتركت العدو يواصل مشاريعه الاستيطانية في الضفة والقدس، ونقولها بصراحة على فصائل المقاومة ومعارضي السلطة عدم توظيف واستغلال تجاوزات واخطاء السلطة الوطنية شماعة يعلقون عليها تقاعسهم وجبنهم في مواجهة الاحتلال في الضفة والقدس وبقية فلسطين ما داموا يقولون بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر وعدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني.

وأخير، ما يجري يستحضر الجدل الذي ثار في بداية تأسيس السلطة حول إمكانية التوفيق بين مسار النضال ضد الاحتلال ومسار النضال من أجل الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان، ويبدو أن عملية التوفيق بين المسارين لم يُكتب لها النجاح.

‪ibrahemibrach1@gmail.com‬‬

اضف تعليق