هناك حالة احباط واستياء من السلطة بشكل عام يقابلها تخوفات من الرئيس والسلطة من توظيف الانتخابات لخدمة أجندة أو مصالح غير وطنية، كما نُدرك تعقيد مسالة مشاركة أهلنا في القدس، ولكن بقاء الأمور على حالها لن يخدم إلا إسرائيل وبعض الفئات الطفيلية والفاسدة وغير الوطنية...
نضال الشعوب من أجل الحرية والاستقلال وخصوصاً في سياق التحرر الوطني قد يصيبه وَهنٌ أو يتعثر بسبب اختلالات في موازين القوى أو تغيرات دولية معاكسة لرياح التحرر الوطني أو فشل وفساد النخب السياسية لحركة التحرر... ولكن القضية الوطنية المركزية لا تموت أو تنتهي وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بقضية كقضية الشعب العربي الفلسطيني الذي يخضع للاحتلال الإسرائيلي العنصري ويستمد شرعية نضاله من حقه التاريخي وتواجده المتواصل في وطنه والممتد لأكثر من أربعة آلاف سنة، كما تعترف غالبية دول العالم بحق هذا الشعب بالحرية والاستقلال وقيام دولته المستقلة، وهو ما تؤكد عليه عديد القرارات والاتفاقات والبروتوكولات الدولية وأكثر من مائة سفارة وممثلية فلسطينية متواجدة في دول العالم وفي الأمم المتحدة نفسها، بالإضافة إلى أن هذا الشعب لم يستسلم أو يرفع الراية البيضاء.
مرور القضية الفلسطينية بحالة من السكون أو الصمت سواء كان صمت البنادق أم صمت الحوارات والمباحثات والجدل السياسي لا يعني نهاية القضية أو انتصار العدو بل يجب تفسير ومحاولة فهم هذا الصمت والتعثر في مسار القضية ضمن سياق آخر غير إصدار أحكام بنهاية القضية الفلسطينية كما تحاول إسرائيل وبعض المطبعين العرب أن يروجوا.
بالرغم من استمرار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في كل مناطق فلسطين المحتلة بل وزيادة وتيرة الاعتداءات، وبالرغم من تزايد تأييد وتفهم الرأي العام العالمي لعدالة القضية الفلسطينية وانكشاف عنصرية وإرهاب دولة الاحتلال، إلا أن حالة من الصمت المريب والمثير للقلق يخيم على كل ما يتعلق بالتسوية السياسية ومسار السلام، سواء تعلق الأمر بالعودة للمفاوضات على قاعدة اتفاقية أوسلو وخطة خارطة الطريق أو على مستوى الأمم المتحدة ومنظماتها، كما لا نسمع عن أي حراك أو مبادرة جديدة، لا أوروبية ولا روسية ولا أممية ولا عربية، لتحريك عملية السلام كما كان يحدث قبل سنوات، ولا حديث عن الأسرى ومعاناتهم وتحريرهم من سجون الاحتلال، حتى حديث الحرب والمقاومة تراجع وتغيرت منطلقاته وأهدافه وأصبح يتوافق مع الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل ونستشف ذلك من خلال تراجع الحديث عن تحرير فلسطين لا كلاً ولا جزءاً وباتت المقاومة مقاومة لحماية قطاع غزة وسلطته من أي عدوان إسرائيلي أو الدخول في مواجهات عسكرية لتجديد الشرعية السياسية لحركة حماس أو لإرسال رسالة دعم وتأييد لأهلنا في القدس كما جرى في المواجهات الأخيرة في أيار.
هناك صمت وسكون لا يقطعه إلا مواجهات محدودة لأهلنا في الضفة في مواجهة تعديات الاحتلال وقطعان المستوطنين أو مناوشات وتصعيد على حدود قطاع غزة أصبح روتينياً ومحسوباً بدقة أو تصريحات ممجوجة تصدر من هذا المسؤول أو ذاك هدفها فقط تذكير الشعب بوجود هذا المسؤول وبوجود قيادة تتابع ما يجري.
لا تقتصر حالة الصمت على موضوع الحرب والسلم والحراك الدولي وموضوع التسوية السياسية بل يتعداه إلى الوضع الداخلي. صمت حول منظمة التحرير وتفعيلها وإخراجها من أزمتها بالرغم من وجود مطالبات واتفاقات لتفعيلها وإعادة بنائها منذ وثيقة الأسرى عام 2005، ومنظمة التحرير هي عنوان الشعب الفلسطيني وممثله أمام العالم، صمت حول الانتخابات بكافة مستوياتها وغياب مجلس تشريعي للسلطة بالرغم من أن الانتخابات مطلب شعبي بل ودولي، صمت حول حركة فتح وضرورة استنهاضها وتوحيد صفوفها وحركة فتح هي العمود الفقري لمنظمة التحرير كما أنها حزب السلطة وقائدة المشروع الوطني، صمت حول المصالحة وإنهاء الانقسام، صمت حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، صمت حول الإصلاح ومواجهة ما يروج من وجود حالات فساد سواء في الضفة أو غزة، صمت حول السلطة ومستقبلها وتغيير وظيفتها الخ.
فهل استكان الشعب الفلسطيني والعالم للأمر الواقع القائم الذي تحاول فرضه تل أبيب وواشنطن؟ وهل يئس الشعب الفلسطيني من إمكانية تغيير نظامه السياسي أو اصلاحه واستسلم لواقع الانقسام؟ أم إنه الصمت الذي يسبق العاصفة؟ وإن كان هذا الأخير، وهو ما نعتقد ونؤكد عليه، فمن سيشعل فتيل الانفجار أو يقود قاطرة التغيير والثورة على الوضع القائم؟.
سبق للرئيس أبو عمار أن شبه الشعب الفلسطيني بطائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد بعد اعتقاد بأنه مات، وفي أكثر من محطة في مسار النضال الوطني الممتد طوال أكثر من مائه عام كان البعض يعتقد ويراهن أن الشعب الفلسطيني انتهي وذاب في محيطه العربي وقضيته اندثرت إلا أن الفلسطينيين كانوا ينهضون من جديد بل ويستنهضوا معهم كل الحالة العربية، وهنا يجب التأكيد بأن إصلاح الوضع الداخلي شرط للتقدم بعملية التسوية السياسية والعالم لن يتحرك تجاه تسوية سياسية عادلة للفلسطينيين أو إجبار إسرائيل على تغيير مواقفها ما دام الفلسطينيون منقسمين.
وحتي لا تستمر حالة الموات أو يكون استنهاض الوضع الداخلي من خلال فتنة أو تمرد أو بتدخل خارجي، وحتى يتحرك العالم لنصرة عدالة قضيتنا الوطنية وحتى لا يبرر العالم تقاعسه بالانقسام الفلسطيني، وحيث إنه ما حك جلدك مثل ظفرك ولن يتدخل أحد لإنقاذ الحالة الفلسطينية إن لم يبادروا أنفسهم لذلك، وحيث إن الرئيس أبو مازن هو رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة وهي مناصب تؤهله دون غيره لاتخاذ قرارات مصيرية وخصوصا فيما يتعلق بالوضع الداخلي، وكل ما هو مطلوب من الرئيس تحيين قرار اجراء الانتخابات كما تم التوافق عليها وليفوز فيها من يفوز وليتحمل الشعب نتائج اختياره، ولا نعتقد أن الوضع بعد الانتخابات سيكون أسوأ مما ستؤول إليه الأمور إن استمرت على حالها أو رحل الرئيس قبل إجراء انتخابات، ونتمنى أن يتم اتخاذ قرار الانتخابات قبل ذهاب الرئيس للأمم المتحدة أو يكون يوم إجرائها موافقاً ليوم إلقاء خطابه في الأمم المتحدة، ونذكر هنا بأن الإعلان عن الانتخابات المعطَلة تم في خطاب للرئيس في الأمم المتحدة.
وأخيراً، نعلم أن هناك حالة احباط واستياء من السلطة بشكل عام يقابلها تخوفات من الرئيس والسلطة من توظيف الانتخابات لخدمة أجندة أو مصالح غير وطنية، كما نُدرك تعقيد مسالة مشاركة أهلنا في القدس، ولكن بقاء الأمور على حالها لن يخدم إلا إسرائيل وبعض الفئات الطفيلية والفاسدة وغير الوطنية في سلطتي غزة والضفة كما لن يغير من وضعية القدس.
هذه فرصة ورهان أخير نتمنى أن يجد تجاوباً من الرئيس ومن الوطنيين الغيورين وخصوصاً أبناء حركة فتح الأصيلين أيضاً من طرف كل الفصائل والقوى الشعبية، وخصوصاً أننا لم نسمع عن أية مبادرة أو حل لأزمة النظام السياسي غير الانتخابات، حتى الحديث عن حكومة وحدة وطنية فهذه الأخيرة، إن تحققت، فستكون حالة مؤقتة تتكفل بإعمار غزة والتهيئة للانتخابات.
فهل يفعلها الرئيس ولا يكون كملك فرنسا الذي يُنسب له ولعشيقته مقولة: (فليأت من بعدي الطوفان)؟ نأمل ذلك.
اضف تعليق